نصرة المظلوم

محمد رسول الله نبينا صلوات الله وسلامه عليه لم يرسل للعرب فحسب! أو للشرق فحسب! أو للغرب دون غيرهم!.. نبينا ارسل للناس كافة (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون)، (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)..

لذلك كان ينصر المظلوم مسلما كان أو كافرا (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا..).. إنه ارسل للإنسانية بأكملها..

انظروا إلى التأريخ وهو يحدثنا عن موقف إنساني فذ وفريد للنبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- قبل بعثته، أعطاه القيمة الكبرى بعد البعثة، وهو موقفه في حلف الفضول، وحلف الفضول كان تجمعاً وميثاقاً إنسانياً تنادت فيه المشاعر الإنسانية لنصرة الإنسان المظلوم، والدفاع عن الحق الضائع، لم تحدثه سلطات، ولا قوى دولية، بل أنشأته قوى اجتماعية بدوافع إنسانية، وإحساس وجداني عميق بضرورة نصرة المستضعفين والمظلومين.

لنستمع للتأريخ، وهو يروي لنا قصة هذا الحدث الحضاري الكبير في عالم الإنسان: روى اليعقوبي في تأريخه ما نصه: “حضر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- حلف الفضول، وقد جاوز العشرين، وقال بعدما بعثه الله: (لقد شَهِدتُ مع عمومَتي حِلفًا في دارِ عبدِ اللَّهِ بنِ جُدعانَ ما أُحبُّ أن لي بهِ حُمْرَ النَّعَمِ، ولَو دُعيتُ بهِ في الإسلامِ لأجَبتُ)”.

إن ذلك الموقف الصادر عن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- يؤكد أنّ الدفاع عن الحق، ونصرة المظلوم مسؤولية يسأل عنها الإنسان القادر على القيام بها تجاه المظلومين والمضطهدين، وبغض النظر عن عقيدة المظلوم أو لغته أو طبقته الاجتماعية أو انتمائه السياسي.

هل لو سمعنا عن قوم مسيحيين أو يهود مظلومين في زاوية من زوايا العالم سلبت أموالهم وقتل أطفالهم واستبيح نسائهم.. فهل سنقول هؤلاء كفار، فليفعل بهم الأعداء ما يشاءون؟…كلا وألف كلا..

لابد أن ننصرهم بقدر ما نستطيع لأن ديننا دين للإنسانية بأكملها.. قال تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)

إذا العداء لمن قاتلنا في ديننا، لمن أخرجنا، وأخرج إخواننا وأخواتنا من ديارهم، ولمن ساعد على ذلك وظاهر على الإخراج.

ونصرهم يكون على مقدار مظلمتهم ولا يتعدى ذلك بموافقتهم أو محاباتهم أو مشاركتهم في طوقوسهم ومعتقداتهم التي في دينهم، قال تعالى: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

إن كان ما ذكر لغير المسلمين فكيف بمن يشاركنا في اعتقادنا؟ فكيف بمن لم يصل للظلم الأكبر (إن الشرك لظلم عظيم).

يقول -صلى الله عليه وسلم: (ما من امرئ يخذل امرأً مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله -تعالى- في موطن يحب فيه نصرته؛ وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته) [رواه أحمد].

وعن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله  – صلى الله عليه وسلم-: (من أُذِلّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذلّه الله على رؤوس الأشهاد يوم القيامة) [رواه أحمد بسند حسن].

الأمر لا يحتاج من خطيب أو واعظ يقف لينادي في كل مرة في الناس أن انصر أخاك بالدعاء أو المال أو غير ذلك، الأمر قبل ذلك الشعور بالمسؤلية والشعور بالجسد الواحد .. عن أبي موسى – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا) [متفق عليه].

الشعور بالمسؤلية يكون في نصرة المظلوم كفرد كان أو جماعة أو دولة أو أمة.. جميعنا سيقف أمام الله تعالى يوم القيامة (وقفوهم إنهم مسؤولون) فهل أعددنا للسؤال جوابا..

عندما نسأل عن فلان الذي رأيناه في موقف ضعف فلم نتحرك لنصرته! عندما نسأل عن قوم ظُلموا وقتلوا وذبحوا فلم نتحرك لنصرتهم! البعض يقول وماذا أفعل لهم؟ ليس في يدي شيء! الذي في يديه شيء ويستطيع أن يفعل هوذلك المسؤول وتلك المنظمة وتلك الدولة .. أقول صحيح وسيحاسبهم الله يوم القيامة..

ولكن الآن السؤال موجه لك أنت الذي كان في يدك وكنت تستطيع أن تفعله لماذا لم تفعله؟ هل غرتك الحياة الدنيا؟ عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة مسلم كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة) [رواه البخاري]. قال ابن حجر -رحمه الله تعالى-: قوله “لا يسلمه” أي: لا يتركه مع من يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه، وهذا أخص من ترك الظلم.

وعن  أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فقال: رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصره إذ كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟! قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره).

وهنا باب من أبواب نصرة المظلوم وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة:78-79]، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: (والذي نفسي بيده! لتأمُرُنَّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم) [صحيح الترمذي].

انظروا في حياتنا.. في الشارع، في السوق، في الوظيفة، في القبيلة، يمارس البعض الظلم على المستضعفين، يظلم الواحد أمام الناس ولكن لا يتحرك أحد لنصرته إلا من رحم الله.

الكلمة، النصيحة، الزجر، الدلالة على الخير، وبذل المعروف، وكف الأذى عن صاحب المظلمة؛ أو على الأقل أن يشعر المرء بتأنيب الضمير، ويعتذر إلى الله بضعفه وعدم قدرته.

ولكن تجد البعض يتفرج ويشاهد ويسمع ولا يتأثر أو يحس، أو على الأقل لا يتمعر وجهه غضباً لله وإنكاراً لذلك المنكر.

ولذلك تضيع حقوق، وتهدر كرامات، ويشيع الظلم، ويعم البلاء، وتتعدد المظالم، ويكثر الظلمة، ويتطاول الإنسان على أخيه الإنسان دون خجل أو حياء.

يقول أبوبكر رضي الله عنه إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه) [صحيح أبي داود].

إن نصرة المظلوم من الفروض الكفائية فإذا قام بها البعض وتمت النصرة سقطت عن الباقين في المجتمع المسلم، وإذا لم يقم بها أحد أثم من كان مستطيعاً وعنده القدرة على ذلك.

والقائم بخلق النصرة يجب أن يكون الباعث على قيامه بهذا الخلق قصد وجه الله -تعالى-، ومنع الظلم بأنواعه، وتحقيق العدل على جميع الناس، وإعانة الفقراء والمحتاجين على لوازم الحياة الكريمة، فلا ينتصر لعرق أو حزب أو طائفة، أو ينصر أحدا لطلب مال أو شرف أو جاه، فكل ذلك من خصال الجاهلية، وطباع البهيمية السافلة، قال -تعالى- في قصة ذي القرنين: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) [الكهف:94-95].

والنصرة تكون باللسان، واليد.. وبالمقال الصحفي، وبالمحاماة، وبالمال، وبالنصح والتوجيه، وكف الأذى، وبالدعاء في ظهر الغيب.

وتكون النصرة بنشر قضية المظلوم وتكون كذلك بالإصلاح بين الناس، ومعالجة المشاكل، وغير ذلك، كل حسب قدرته واستطاعته.

(وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ)..

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الإحسان