ترك مالا يعنيك

عندما تلح على شخص لتعلم عن سِر أمر لا يعنيك..

وعندما تقف في مكان لن يزيد وقوفك أجرا، ولا طَلب منك أحد أن تقف في هذا المكان، بل ستشعر بأنك فضولي من الطراز الأول لأنك وقفت في مكان ما كان ينبغي لك أن تقفه!


وعندما تتحدث بحديث لا يجلب لك أجرا، ولا يرجع إليك بفائدة، بل يعتبر تدخلا في خصوصيات الآخرين!

وعندما تسير بسيارتك وترى جموع من الناس متجمهرة حول مكان معين، وليس هناك حاجة منك لتنزل وتنظر وتسأل حتى تزيد من إعاقة حركة المرور!

ألا يصدق على كل هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) [حديث حسن رواه الترمذي وغيره].

إذا من حسن إسلامنا .. من حسن ديننا .. من حسن عقيدتنا .. وتنبه هنا لاختيار لفظ “حسن” وهي خير من كلمة أفضل أو أجدر.

أن يترك ما لا يعنيه، يعني: في كل الأمور، فيدخل فيه ما يتعلق بالقلب، وما يتعلق باللسان، وما يتعلق بالجوارح.

وهنا توجيه للأمة بالاشتغال بما ينفعها، ويقرّبها من ربّها ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (احرص على ما ينفعك) فأرشد صلى الله عليه وسلم إلى اغتنام الأوقات بالخيرات ، فإن الدنيا مزرعة للآخرة ، وعمر الدنيا قصير ، فهو كظل شجرة ، يوشك أن يذهب سريعا ، لذا فالإنسان العاقل الذي جعل الآخرة همّه، والجنة مأربه ، يغتنم أوقاته كلها.

وقد امتدح الله عباده المؤمنين بقوله : (والذين هم عن اللغو معرضون) [المؤمنون : 3]، فمن صان لسانه عن فضول القول ، سَلِمَ من انزلاقه فيما لا يحبه الله ويرضاه ، وحمى منطقه من الغيبة والنميمة ، ولذلك حث الشرع في مواطن كثيرة على لزوم الصمت إلا بما فيه ذكر الله تعالى ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، قال الله عز وجل : (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس) [النساء : 114].

قال الامام الحسن البصري: “من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه“. وقيل للقمان: “ما بلغ بك ما نرى يريدون الفضل. فقال: صدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما لا يعنيني”.

إذن!!.. ما هو الضابط الصحيح لترك ما لا يعني؟

إنه الشرع الحنيف .. لذلك من حسن إسلام.. لا مجرد الهوى والرأي، لذلك جعله النبي صلى الله عليه وسلم أمارة على حسن إسلام المرء ، فإن البعض يدع أمورا قد دلّت عليها الشريعة ، بدعوى أنها تدخّل في شؤون الآخرين ، فيعرض عن إسداء النصيحة للآخرين ، ويترك ما أمره الله به من الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر..

من حسن إسلام المرء أن يترك فضول النظر ، لما في التطلع إلى متاع الدنيا من إفساد للقلب ، وإشغال للبال ، يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى : (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه) [طه : 13]: ” أي: لا تمد عينيك معجبا، ولا تكرر النظر مستحسنا إلى أحوال الدنيا والمتعين بها، من المآكل والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة، والبيوت المزخرفة، والنساء المجملة، فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا، تبتهج بها نفوس المغترين، وتأخذ إعجابا بأبصار المعرضين، ويتمتع بها – بقطع النظر عن الآخرة – القوم الظالمون، ثم تذهب سريعا، وتمضي جميعا، وتقتل محبيها وعشاقها، فيندمون حيث لا تنفع الندامة “.

من حسن إسلام المرء أن يعطي  للوقت أهميته في الحياة فإن الاشتغال بما لا فائدة فيه تضييع للوقت وإهدار له واستثماره يعني شغله بما يعود بالنفع على العبد. وقد فرط كثير من الناس في نعمة الوقت كما أخبر بذلك نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) [أخرجه البخاري].
إن التحلي بهذا الخلق الكريم يتطلب من العبد عزيمة ومثابرة وجداً ومصابرة. فإن النفس إن لم تشغلها بالخير والأمور النافعة شغلتك بالشر والبطالة.

وخير ما يشتغل به العبد تلاوة القران والنظر في الحديث ومدارسة كلام العلماء وسير الصالحين ومداومة الأذكار والتقرب إلى الله بالسنن والنوافل والصلة والبذل والإحسان والدعوة إلى الله والحسبة.

وجماع ذلك الاشتغال بالعلم النافع والعمل الصالح والأمور النافعة له في دينه ودنياه .

وأخيرا أن من استحضر أن الله -عز وجل- يراه ويسمع كلامه، ويطلع على حاله، وأنه (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق: 18]، فإنه لا يتكلم إلا فيما يعلم أن هذا الكلام ينفعه ويسعفه أحوج ما يكون إليه، وكذلك حينما يهم بعمل من الأعمال فإنه ينظر هل هذا العمل يقربه إلى الله، أو أن ذلك يضره في الآخرة؟

لذلك نحتاج نتذكر أننا سنقف أمام الله يوم القيامة .. فهل هناك من الأمور التي انشغلنا بها دون جدوى وسيحاسبنا الله عليها

(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا)

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الإحسان

نصرة المظلوم