رقابة الله لنا
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)
يقول ابن عباس وغيره: (اتقوا الله الذي به تعاقدون وتعاهدون ، واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، بروها وصلوها)..
ثم ختمت الآية: (إن الله كان عليكم رقيبا)
خطأ نرتكبه دائما وهو أننا عندما نستمع أو نقرأ عن مراقبة الله لنا، نتذكر مراقبة الله لنا في سيئاتنا فقط وهذا خطأ فالله كما يراقبنا في السيئات فإنه سبحانه يراقبنا في الحسنات.
فكل بسمة ترسلها لزوجتك لولدك لأخيك لجارك لصديقك.. فهنا الله يراقبك رقابة حب ورضى (يحبهم ويحبونه).
عندما تطعم الفقير والمسكين فإن الله يراقبك رقابة (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتما وأسيرا..) عندما تنظر لكتاب الله فيتبع ذلك قراءتك للقرآن وعندما تنظر لمناظر الطبيعة فتتفكر في مخلوقاته
لماذا يراقبنا الله؟
رقابة الله لنا فهفي ديننا وحضارتنا ليدخلنا الجنة، أما الرقابة في الحضارة الغربية بنيت على ضبط الطبيعة أما ديننا العظيم بني على ضبط النفس.. فالحضارة الغربية تجعل كاميرات في الطرقات لضبط السير في الطريق ولكن لم تصل إلى حد ضبط النفس لدرجة أن الإنسان يمكث في المنزل بمفرده وهو صائم فيضبط نفسه من عدم شرب شيء من الماء لأنه يعرف جيدا أن الرقيب يطلع عليه، فيسعد العبد من رقابة الله له لأن الله يحب أن يرى عبده وهو صائم
نتيجة مراقبة الله تعالى لنا في السر والعلن، واليقين بأنه مطلع علينا أينما كنا، يجعل من المؤمن رقيبًا على نفسه، فيعبد الله تعالى كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإن الله سبحانه يراه: (إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) [النحل:19]، (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر:19]، وهذه الآية هي في الرجل يكون مع القوم فيرى امرأة حسناء، فإن غفلوا عنه لحظها، وإن فطنوا إليه غض عنها، والله تعالى وحده يعلم ما يخفي في صدره عنهم.
لذلك أمرنا الله تعالى -رجالاً ونساءً- بغض أبصارنا وحفظ فروجنا عما حرم علينا، والاكتفاء بما أحل لنا؛ ففي الرجال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) [النور:30]، وفي النساء: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)
لذلك مهما كان هناك من وجود نساء يسيرون في الطريق بتبرج وسفور ..المطلوب منا غض البصر والنصح بالتي هي أحسن، وعلى الجانب الآخر من النساء أن يتقين الله تعالى في لباسهن وحجابهن وأن يحولوا لباس العادة والتقليد إلى لباس وحجاب من أجل رضاء الله والقرب من الله
حفصة بنت سيرين تغطي وجهها وهي عجوز، فيقال لها: قال الله تعالى في القواعد من النساء(فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن) فتقول: أتموا الآية (وأن يستعففن خير لهن).
لماذا اخترنا من رقابة الله لنا البصر لأنه هو نافذة الإنسان على الحياة الخارجية، فبه يتلقى المعارف، ويكتسب كثيرًا من المعلومات والخبرات، ويشاهد الأشياء
أيضا على المرء أن يستحيي من الملائكة الكرام الكاتبين؛ فإن الناس إن غفلوا عنه، أو كان خاليًا لوحده فملائكة الرحمن يلازمونه، وينظرون إليه: (إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ) [يونس:21]، (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار: 10-12].
فمن استحيا من الناس أن يطلق بصره في المحرمات، فأولى أن يستحيي من الله تعالى ثم من ملائكته عليهم السلام.
وعلى المؤمن أن يجتهد في الدعاء بأن يحفظ الله تعالى بصره عن الحرام، وأن يعينه على ذلك؛ فإنه إن استجيب له ذهب عنه ما يجد من لهف على مشاهدة المحرمات، وقد جاء رجل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رَسُولَ الله: عَلِّمْنِي دُعَاءً، قال: “قُلْ: اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من شَرِّ سَمْعِي وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي…“. الحديث. [ أبو داود].
فإن وقع بصره على امرأة مباشرة، أو على صورتها في شاشة أو صحيفة أو غيرها فليصرف بصره سريعًا؛ لئلا يعلق في قلبه شيء بسببها؛ فإن أدران القلوب وفتنتها تتراكم بإدامة النظر، والاستمتاع بالمشاهدة، فيعسر علاجها، وقد أرشد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى صرف البصر فورًا؛ قال جَرِيرِ بن عبد الله -رضي الله عنه-: “سَأَلْتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- عن نَظَرِ الْفُجَاءَةِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي“. [مسلم].
وقال -صلى الله عليه وسلم- لِعَلِيٍّ -رضي الله عنه-: “يا عَلِيُّ: لا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ؛ فإن لك الأُولَى وَلَيْسَتْ لك الآخِرَةُ“. [أبو داود].
سئل الجنيد -رحمه الله تعالى-: “بم يستعان على غض البصر؟! قال: بعلمك أن نظر الله أسبق من نظرك إليه“.
وقال رجل لوهيب بن الورد: “عظني، قال: اتق أن يكون الله أهون الناظرين إليك“.
وقال بعضهم:”استحي من الله على قدر قربه منك، وخف الله على قدر قدرته عليك”
(حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [فصِّلت:20]
إن كان النظر والسمع سخره العبد فيما يرضي الله فهنيئا بالأجر والثواب، وإن كان فيما يغضب الله فالعقاب والعذاب من الله إذا لم يتب العبد ويعود لله ..
لذلك من أعظم أسباب مراقبة الله لنا في أبصارنا المحافظة على الفرائض، وإتباعها بالنوافل، فمن فعل ذلك نال ولاية الله تعالى ومحبته، وكان مسددًا في سمعه وبصره وبطشه وخطوه؛ كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: “وما تَقَرَّبَ إلي عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلي مِمَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلي بِالنَّوَافِلِ حتى أُحِبَّهُ، فإذا أَحْبَبْتُهُ كنت سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ التي يَبْطِشُ بها، وَرِجْلَهُ التي يَمْشِي بها“. [البخاري].
قال ابن الجوزي: “اعلم -وفقك الله- أنك إذا امتثلت المأمور به من غض البصر عند أول نظرة، سلمت من آفات لا تحصى، فإذا كررت النظر لم تأمن أن يَزرع في قلبك زرعًا يصعب قلعه، فإن كان قد حصل ذلك فعلاجه الحمية بالغض فيما بعد، وقطع مراد الفكر بسد باب النظر”
- العناية بمراقبة الله في البصر تورث حلاوة الإيمان ولذته:
عن حذيفة رضي الله عنه مرفوعًا: (النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة، فمن تركها من خوف الله أثابه الله إيمانًا يجد حلاوته في قلبه).
- نورٌ في القلب:
قال ابن القيم: “يورث القلبَ ـ أي: غضّ البصر ـ نورًا وإشراقًا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، كما أنّ إطلاق البصر يورث ظلمة في وجهه وجوارحه، ذكر الله سبحانه آية النور في قوله تعالى: {ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ} [النور:35] بعد قوله: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ} [النور:30]”.
البرنامج العملي المطلوب ..
هو أن نسعد ونفرح بمراقبة الله لنا لأن الله يراقبنا ليدخلنا الجنة ولنستحي منه في النظر ولنلتزم من هذه الساعة بمجاهدة أنفسنا عن النظر المحرم سواء في الطريق أو في القنوات الفضائية أو الجوال أو غير ذلك ولنتذكر جزاء الدنيا قبل الآخرة بحلاوة الإيمان ونور القلب..
تعليقات
إرسال تعليق