الإصلاح بين الزوجين
﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا ﴾
من هو الحكم؟ أولاً الحكم إنسان يتصف بصفات القاضي، الصفات الأولية الأساسية للقاضي أنه يعدل، يدقق، يملك معلومات دقيقة، يسأل، يستقصي، يستجوب، يبحث،لا بد من معلومات دقيقة يبني عليها القاضي حكمه، هذه الصفة العقلية في القاضي، ولا بد من نفس نزيهة تتحرى العدل، من هو الحكم؟ الذي يستقصي المعلومات بدقة بالغة، ثم يحكم بنزاهة بالغة، ليس أي إنسان يكلف أن يصلح بين الزوجين يَصلُح أن يُصلِح بينهما:
﴿ فَابْعَثُوا حَكَماً﴾
هو يعلم أنه في مشكلة إما مالية، أو اجتماعية، أو نفسية، أو ثقافية بين الزوجين، هو مطلع، أي معه المدى العميق:
﴿ فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا﴾
هذا المنهج لو طبق لكان الطلاق قليلاً جداً ؛ لذلك لو أن إنساناً شكا زوجته إلى إنسان قال له: طلقها، هذا لا يفهم، أنت بحاجة إلى رجل وجيه عنده خبرات، دين،نزيه في إصدار الحكم، على صلة بها، مطلع على أحوال الزوجين، وأنت بحاجة إلى حكما من طرف الزوج وقور، نزيه، دقيق، على اطلاع بأحوال الزوج، هذان الحكمان حكمهما نافذ:
﴿ فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا﴾
ويفعلا ما فيه المصلحة مما يريانه من التفريق أو التوفيق ، والشارع يسعى إلى التوفيق; ولهذا قال تعالى : ﴿ إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً ﴾
بعضهم قال: الألف في (يريدا) هي ضمير متصل في محل رفع فاعل، يعني إن أرادا، من هما؟ علماء قالوا: الحكمان، وعلماء قالوا: الزوجان، إذا كان الزوج صادقاً يريد أن تسير الحياة الزوجية وفق منهج الله، والزوجة أيضاً لا تحب أن تكون امرأة عصيةً لله، لكن نشأ سوء تفاهم بينهما، إن أرادت الزوجة أن تكون زوجة واعية تحمل كل صفات النضج، وإن أراد الزوج أن يكون زوجاً متقياً لله عز وجل:
﴿ إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ﴾
ذلك أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، أنت الذي تجد أن هذه الزوجة لا تنسجم، ولا تنصاع، تتأبى الحق، لو أن الله سبحانه وتعالى أصلحها لك لصلحت، والدليل قول الله عز وجل:
﴿ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ [ سورة الأنبياء: 90 ]
يقول أحد السلف: أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي، إما أن تلين، وتخضع، وتحسن، وإما أن تتأبى، وتستنكف، وتعصي، لو أن الزوج يعصي الله خارج البيت لوجد في الزوجة تأبياً ورفضا عن طاعته، لو كان متعمقاً في الأمر لعلم أن هذا عقاب له على تفلته من منهج الله لذلك فسر البعض قول الله تعالى: ﴿ربنا آتنا في الدنيا حسنة.. ﴾ بالزوجة الصالحة.
عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة قال : شهدت عليا وجاءته امرأة وزوجها ، مع كل واحد منهما فئام من الناس ، فأخرج هؤلاء حكما وهؤلاء حكما – الإشكالية عند البعض أن يخوضوا في المشكلة أمام الجميع-، فقال علي رضي الله عنه للحكمين : أتدريان ما عليكما ؟ إن عليكما إن رأيتما أن تجمعا ، جمعتما . فقالت المرأة : رضيت بكتاب الله لي وعلي . وقال الزوج : أما الفرقة فلا . فقال علي : كذبت ، والله لا تبرح حتى ترضى بكتاب الله ، عز وجل ، لك وعليك .
وتأتي (يريدا) ضمير رفع متصل تعود على الحكمين فالحكم إن أراد الإصلاح يوفق،وهناك حالات كثيرة تنهي بالإصلاح لحسن نية الحكمين واعتنائهما بدراسة المشكلة من جميع الزوايا.
لذلك إخوتي ندب الإسلام إلى المشاركة في الإصلاح وعدم الاعتذار إلا في حالة عدم وجود الأهلية لذلك فقال تعالى: ﴿لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بمعروف أو إصلاح بين الناس..﴾.
عن أبي الدرداء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلى قال صلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة” قال أبو عيسى هذا حديث صحيح، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين“.
وللإصلاح فقه ومسالك دلت عليها نصوص الشرع وسار عليها المصلحون المخلصون ، ومنها :
1. استحضار النية الصالحة وابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى: ” ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله نؤتيه أجرا عظيما ”
2. تجنب الأهواء الشخصية والمنافع الدنيوية فهي مما يعيق التوفيق في تحقيق الهدف المنشود .
3. لزوم العدل والتقوى في الصلح.
4. أن يكون المصلح عاقلا حكيما منصفاً في إيصال كلِّ ذي حقٍّ إلى حقِّه مدركا للأمور متمتعا بسعة الصدر .
5. سلوك مسلك السر والنجوى.
6. الحذر من فشو الأحاديث وتسرب الأخبار .
7. اختيار الوقت المناسب للصلح بين المتخاصمين حتى يؤتي الصلح ثماره ويكون أوقع في النفوس .
8. أن يكون الصلح مبنيا على علم شرعي يخرج المتخاصمين من الشقاق إلى الألفة ومن البغضاء إلى المحبة .
9. التلطف في العبارة واختيار أحسن الكلم في الصلح
10. الرفق في الصلح وترك المعاتبة لإبقاء المودة 11. ابدأ بالجلسات الفردية بين المتخاصمين لتليين قلبيهما إلى قبول الصلح مع الثناء على لسان أحدهما للآخر .
12. وأخيرا .. الدعاء.. الدعاء بأن يجعل الله التوفيق حليفك وأن يسهل لك ما أقدمت عليه مع البراءة إليه سبحانه من قوتك وقدرتك وذكائك وإظهار العجز والشدة والحاجة إليه للتأييد والتوفيق .
وختاما أحبتي..
تذكروا نعمة الزواج وأن الشيطان حريص لإفساد هذه النعمة قال تعالى (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)
عن جابر رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم :” إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجىء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا قال ثم يجىء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته – قال – فيدنيه منه ويقول نعم أنت ” أخرجه مسلم.
لأجل سعي الشيطان لإفساد الحياة الزوجية فقد لا توجد المحبة إلا بعد سنة فلا تستعجل فإن العجلة من الشيطان ، وذم الله العجلة بقوله {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا}.
تعليقات
إرسال تعليق