الإيمان وأثره في النفس المسلمة

وليس منا أحد لم يكره نفسه على أداء طاعة، ولم يحمل لهذه الطاعة ألماً، فماذا بقي لنا في أنفسنا الآن، من ألم الزحام في رمضان الذي جاء من عشر سنين؟
لا شيء، ذهبت لذات المعاصي وماذا بقي؟؟
بقي لنا عقابها، وذهبت آلام الطاعات وبقي لنا ثوابها، وساعة الموت ما الذي يبقي لنا، تلك الساعة من جميع اللذائذ التي ذقناها، والآلام التي حملناها؟؟
إن كل مؤمن يريد أن يتوب ويرجع إلى الله، ولكنة يؤجل سوف. أنا سوف وسوف وسوف.
خذ أخي مثلاً من واقع الحقيقة يدر زكلك تفريج الكرب في قلوب المؤمنين الموحدين، فإلى هناك إلى العهد الصحري المجيد ينعش منصبه. تظهر أن السلف حريصين على حدود لله حريصين على العدل وعلى الصدق مع الله وإن كان ثقيلاً حريصين على الحق وإن كان مراً حريصين على مطابقة الظواهر مع البواطن وإن كان من أشد الأمور وأشقها.
أتى شابان إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وكان في مجلس، وهما يقودان رجلاً من البادية فأوقفوه أمام عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما هذا ؟؟ قالوا: يا أمير المؤمنين هذا قتل أبانا، قال أقتلت أباهم، قال: نعم، قال: كيف قتلته؟؟
قال: دخل بجمله في أرضي، فزجرته فلم يزدجر، فأرسلت عليه حجراً وقع على رأسه فمات. قال عمر: القصاص.. القتيل.. الإعدام.. قرار لم يكتب، وحكم سديد لا يحتاج مناقشته. لم يسأل عمر عن أسرة هذا الرجل هل هو من قبيلة شريفة؟؟
هل هو من أسرة قوية؟؟
ما مكانته في المجتمع؟؟
كل هذا لا يهم عمر لماذا؟؟؟
لأنه لا يحابي أحدا في دين الله، ولا يجامل أحداً على حساب شرع الله ولو كان ابنه القاتل لاقتص منه، وقد جلد ابنا له في بعض الأمور. قال الرجل: يا أمير المؤمنين أسألك بالذي قامت به السماوات الأرض، أن تفرج عني وتتركني ليلة، لأذهب إلى زوجتي وأطفالي في البادية، فأخبرهم بأنك سوف تقتلني، ثم أعود إليك ولله ليس لهم عائل غيري إلا الله ثم أنا، وهنا عمر لم يقل له اذهب؛ ويعتبر ذلك تعاوناً أو واسطة عند عمر في الدين إلا ميزان العدل. قال عمر: من يكفلك أن تذهب إلى البادية، ثم تعود إلىّ.. نعم من يكفلك ليكون صادقاً.. من يكفلك في ضميره وفي وفائك وفي صدقك مع الله.. من يكفل هذا المسكين. فسكت الناس جميعاً كفالة ليست مئة ألف ولا على أرض ولا على سيارة إنها كفالة على الرقبة أن تقطع بالسيف. ومن يغترف على عجر في التطبيق شرع الله؟
ومن يشفع عنه عنده؟؟
ومن الممكن أن يفكر في وساطة لديه؟؟
فسكت الصحابة وعمر متأثر لأنة وقع في حيرة، هل يقدم فيقتل هذا الرجل وأطفاله يموتون جوعاً هناك أو يتركه فيذهب بلا كفاله، فيضيع دم المقتول وسكت الناس، نكس عمر رأسه، والتفت إلى الشابين، أن يعفوا عنه.. قالا: لا، من قتل أبانا لابد أن يقتل يا أمير المؤمنين، قال عمر: من يكفل هذا أيها الناس؟ وهنا يظهر المؤمن الذي ينظر إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من فرج عن أخيه كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة) على أنه أخيه في الإسلام ويرى نور الصدق مع الله يظهر في وجهه المستضيء بنور الله فقام أبو ذر الغفاري بزهده وصدقه وبشيبة، قال: يا أمير المؤمنين، أنا أكفله، قال عمر بن الخطاب: هو القتل، قال: ولو كان قتلاً، قال: أتعرفه؟؟
قال: ما أعرفه، قال: كيف تكفله ؟؟
قال: رأيت فيه سمات المؤمنين فعلمت أنه لا يكذب، وسيأتي إن شاء الله تعلى فما كان من عمر إلا أن ينبه بأن الحب الذي بدينهم لله يتدخل في ميزان العدل قال عمر: الله المستعان يا أمير المؤمنين، فذهب الرجل وأعطاه عمر ثلاثة ليال يهيئ فيها نفسه، ويودع أطفاله وأهله، وينظر في أمرهم بعده، ثم يأتي ليقتص منه لأنه قتل، وبعد ثلاث ليال لم ينسى عمر الموعد، يعد الأيام عداً، وفي العصر نودي في المدينة الصلاة جامعة الصلاة جامعة، فجاء الناس وجاء الشابان، واجتمع وأتى أبو ذر الغفاري، وجلس أمام عمر، قال عمر: أين الرجل؟ قال: ما أدري يا أمير المؤمنين، وتلفت أبو ذر إلى الشمس وكأنها تمر سريعة على غير عادتها وسكت الصحابة أمعين ورأى عليهم التأثر ما لا يعلمه إلا الله.
يا قوم: صحيح أن أبا ذر يسكن في قلب عمر، وأنه يقطع له من جسمه إذا أراد لكن هذه شريعة، لكن هذه منهج، لكن هذه أحكام ربانيه، لا يلعب بها اللاعبون ولا يتدخل في أدراج التناقش صلاحيتها ولا تنفذ في ظروف دون ظروف، وعلى أناس دون أناس، وفي مكان دون مكان إنها الشريعة التي تعذر بها أينما كنا وفي أي وقت وفي أي عصر.. بها تتوحد الصفوف ومنها تتألف القلوب إنها نور في البصائر وصلاح في الباطن والظاهر وصدق مع الله، وصدق مع الناس، العدل والعفو، وتفريج الكرب من أثارها والشجاعة والعزة وعدم الخشوع من ثمارها و رفعه في السجايا وشرف في الأخلاق وقبيل الغروب بلحظات وإذا بالرجل يأتي، فيكبر عمر ويكبر المسلمون معه فقال عمر: أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك، ما شعرنا على من الذي يعلم السر وأخفى الله أكبر يظهر الرجل كلمه الحق أمام أمير المؤمنين بدون خجل ولا تردد موضح أنه لم يفعل هذا الأمر إلا لأن الله مطلع على سريرته ويعلم صدقه معه. وإذا بالقاتل يقول: هاك أنا يا أمير المؤمنين، تركت أطفالي كفراخ الطير لا ماء ولا شجر في البادية، وجئت لأقتل، فوقف عمر وقال للشابين: ماذا تريان ؟؟ قالا وهما يبكيان: عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه، قال عمر: الله أكبر ودموعه تسيل على لحيته الشريفة.
يا الله ويا لروعه العفو والتفريج والصدق والوفاء والعدل والرحمة بين المؤمنين يا لها من معان لو غرست في كبد أمتنا لرفرف ثوب النصر يا لها من صفات لو طبقت في أمتنا لما ذات العدو على وجه الأرض.. يا لها من أخلاق لو تفرست في قلوبنا لحدث لأمتنا التمكين مهما كلف الأمر.. لا نقول إلا جزاكم الهر خيراً أيها الشابان على عفوكما، وجزاك الله خيراً يا أبا ذر يوم فرجت عن هذا الرجل كربته وجزاك الله خيراً أيها الرجل لصدقك مع الله قبل أن يكون مع الناس.
عباد الله يستفاد من هذه القصة:

1-الصدق مع الله، 2-تفريج الكرب، 3- العفو والتسامح.
عباد الله: إن الاستمساك بالصدق في كل شأن أن تجري الصدق في كل شأن.. إن تحرى الصدق في كل قضية، إن المصير غالى الصدق في كل حكم هو من الركائز التي فقدت اليوم من هذه الأمة.
يقول شداد السهام.. أسلم أحد الأعراب وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوه خيبر يوزع الغنائم فأعطى هذا الأعرابي شيئا من الغنيمة، قال: ما أتعبتك لهذا اتبعوك لأن أحزب ها هنا فأدخل الجنة، ودخل المعركة فافتقده النبي صلى الله عليه وسلم فوجد السهم قد أصابه حيث أشار فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (صدق الله فصدقه) بالنوايا المطمئنة الراضية المخلص، يضع الله بها العجب في نظر البشر في واقع الأرض وفي الآخرة فاصدقوا الله يصدقكم.
روى أنس رضي الله عنه: أن عمه أنس بن النضر لم يشهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشق ذلك على قلبه وقال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبت عنه أمد الله لئن أراني الله مشهداً مع رسول الله ليرين الله ما أصنع قال: فشهد أحداً في العام القابل فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا أبا عمير وإلى أين؟؟ فقال: واهٍ لريح الجنة إني أجد ريحها دون أحد، فقاتل بصدق حتى قتل فوجد في جسده بضع وثمانون ما بين رمية وضربة وطعنة فقالت أخته بنت النضر: ما عرفت أخي إلا ببنانه. فنزلت هذه الآية (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه).

 

محبكم / خالد حسن عبد الكافي 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نصرة المظلوم

الإحسان