تطهير القلوب قبل ليلة النصف من شعبان

لليلة النصف من شعبان مزية خاصة من حيث أنه جل في علاه يطلع فيها إلى جميع خلقه فيغفر لهم إلا مشرك حتى يدع شركه ويوحد رب السماوات والأرض، والمشاحن حتى يدع شحنائه ويصطلح مع من خاصمه .

فعن أبي ثعلبة، قال النبي صلى الله عليه وسلم : “إن الله يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، و يدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه“.

وفي رواية عن أبي موسى:”إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك، أو مشاحن“.صحيح الجامع حديث رقم (1819).

مشاحن: أي مخاصم لمسلم أو مهاجر له .

لا أعتقد بعد هذه الأحاديث بأن هناك من سيجعل بينه وبين أحد شحناء أو بغضاء، لن أقول لك اذهب الآن إليه واعتذر له..بل قبل ذلك أقول تذكر أن الله الذي قال : (وجوه يومئذ ناظرة إلى ربها ناظرة) لن يطلع عليك بعد ثلاث ليالي ..ليلة النصف من شعبان هي ليلة الثلاثاء..الأمر لا يتعلق بفعل صلاة مخصوصة أو عبادة معينة أو عمرة أو غير ذلك ،الأمر يتعلق بتطهير ما في بواطننا ما في قلوبنا،والفرصة أمامنا الآن باقي ثلاث ليالي وقد يطلع الله عليك وقد لا تكون من هؤلاء!!

استمع أخي الحبيب إلى هذا الحديث جيدا ..عن أنس رضي الله عنه  قال: ” كنا جلوسا مع رسول الله فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه، قد تعلق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال رسول الله مثل، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان في اليوم الثالث قال رسول الله مثل مقالته أيضا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام رسول الله تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال: إني لاحيت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاثا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال: نعم، قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئا، غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله وكبر، حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر، ولكني سمعت رسول الله يقول لك ثلاث مرار: يطلع الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث المرار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي بك، فلم أرك تعلم كثير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله؟، قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت دعاني: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه، قال عبد الله: هذه التي بلغت بك وهي التي لا تطاق“.

إذا إن كان أحبتي من الصعوبة بمكان أن ننقي قلوبنا  من الشوائب والضغائن،فأعتقد أنه من الأصعب على النفس أن يطلع الله بعد ثلاث ليالي على البشرية التي امتلأت قلوبها حبا وصفحا وتجاوز،ولا يطلع على أحدنا لأنه ما زال يحمل في قلبه على أخيه المسلم! قارن واختار ما  تريد

إلى كل واحد منا ما زال في نفسه شيء على مسلم ..هل هناك أشد ممن يتحدث في عرضك ،ويثير الناس عليك و يكيد لك المكائد؟

عن عبد الله بن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لما توفي عبد الله بن أبي بن سلول ودعي رسول الله للصلاة عليه فقام إليه فلما وقف عليه يريد الصلاة تحولتُ حتى قمتُ في صدره فقلت: يا رسول الله أتُصلي على عدو الله عبد الله بن أُبي القائل يوم كذا، كذا وكذا، أعدِّد أيامه ورسول الله عليه السلام يبتسم حتى إذا أكثرت عليه قال: «أخِّر عني يا عمر إني خيرت فاخترت وقد قيل لي استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم فلو أني أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت» قال: ثم صلى عليه ومشى معه فقام على قبره حتى فرغ منه، قال: أتعجب لي وجرأتي على رسول الله والله ورسوله أعلم فوالله ما كان إلا يسيرٌ حتى نزلت هاتان الآيتان ولا تصل على أحد منهم مات أبدا فما صلى رسول الله على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله.

العفْوُ والتجاوز أحبتي من صفات العزة يومَ القيامة؛ لأن العفوَ هو أن تترُكَ معاقبةَ كلِّ من يستحق العقوبة وأنت قادر على عقوبته، فعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثٌ – والذي نفسي بيدِه – إن كنتُ لَحالفًا عليهِن: لا يَنقُصُ مالٌ من صدقةٍ؛ فتصدَّقوا، ولا يَعفو عبدٌ عن مَظلمةٍ، إلا زادَه اللهُ بِها عزًّا يومَ القيامةِ، ولا يفتَحُ عبدٌ بابَ مسألةٍ، إلا فتحَ اللهُ عليهِ بابَ فقرٍ).

لذلك قد امتدَحَ الله العافِين عن الناس فقال في صفات أهل الجنةِ: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].

 

 

 

وقال الله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [البقرة: 237].

وقال تعالى: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ﴾ [النور: 22].

وكلُّ إنسان يتصل بالناس فلا بد أن يَجِدَ من الناس شيئًا من الإساءة، فموقفُه من هذه الإساءة أن يعفوَ ويصفَحَ، وليعلَمْ علمَ اليقين أنه بعفوه وصفحه ومجازاته بالحسنَى، سوف تنقلب العداوةُ بينَه وبين أخيه إلى ولايةٍ وصداقةٍ.

حكم الإصلاح واجب والعفو مندوب إليه.. والشرع يطلب منك أن تقدم الواجب على المندوب فمثلا أصيب أحد أولادنا –عافانا الله وأولادنا- بمرض فذهب للمستشفى فيخطأ الطبيب في وصف الدواء الذي جعل المريض في حالة خطيرة،ويصر هذا الطبيب أنه لم يخطأ ..فهنا نقول أعفو قلبيا ولكن لابد أن تشتكي لهدف الإصلاح حتى لا تتكرر الحالة مع غيرك

إذا الأخذَ والقِصاصَ لا يعني: عدمَ المسامحةِ في القلب، بل تتم المسامحة في القلب مع أخذِ الحقِّ بالجوارحِ؛ ردعًا وزجرًا للمسيء؛ ليتوقفَ عن إساءتِه، وليس انتقامًا منه.

إلى كل من أشار لي إشارة من قلبه أنه قد يعفو عن كل الناس إلا فلان..فأقول ليلة الثلاثاء هذه:”إن الله تعالى ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك، أو مشاحن”.

قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34]”[2] ا.هـ كلامه رحمه الله.

من أكبر المصائب عندما يترك القلب ويغفل عنه فيتحكم فيه الهوى و الشيطان فتتحول صغائر الضغائن إلى حقد وحسد ثم تزداد لتتحول لانتقام الذي قد يصل للقتل (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين..)

لذلك لا أشد جرما ممن (يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ).

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ ».رواه الترمذي (1455) وعن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (أول ما يحاسب به العبد الصلاة وأول ما يقضى بين الناس في الدماء) .رواه النسائي(3991)

 

وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ « مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلاَّ خَيْرًا ».

إنّ التعايش والانتماء للدولة, هو السائد بحمد الله وفضله, بين جميع فئات المجتمع, في هذا البلد منذ أن تأسس إلى يومنا هذا, في صورة أثارت غيرة الأعداء وحسدهم, ذلك أن أهل السنة أعرف الناس بالحق، وأرحمهم بالخلق, عندها سعى المغرضون لتأجيج الخلافات لما تحمل نفوسهم من حقد وحسد الذي تحول لقتل نفوس بريئة في مسجد القديح, لإيقاد نار الفتن, وإثارة النعرات الطائفية البغيضة, التي لا يستفيد منها إلا أولئك المتربصون بالوطن وأهله.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نصرة المظلوم

الإحسان