نعمة الطعام والشراب

{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ }

لقد كان لقبيلة سبأ بـ(اليمن) في مسكنهم دلالة على قدرتنا: بستانان عن يمين وشمال, كلوا من رزق ربكم, واشكروا له نعمه عليكم; فإن بلدتكم كريمة التربة حسنة الهواء, وربكم غفور لكم.

{ فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ }

فاعرضوا عن أمر الله وشكره وكذبوا الرسل, فأرسلنا عليهم السيل الجارف الشديد الذي خرب السد وأغرق البساتين, وبدلناهم بجنتيهم المثمرتين جنتين ذواتي أكل خمط, وهو الثمر المر الكريه الطعم, وأثل وهو شجر لا ثمر له, وقليل من شجر النبق كثير الشوك.

{ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الكَفُورَ }

ذلك التبديل من خير إلى شر بسبب كفرهم, وعدم شكرهم نعم الله, وما نعاقب بهذا العقاب الشديد إلا الجحود المبالغ في الكفر, يجازي بفعله مثلا بمثل.

عباد الله يقول الله تعالى: { أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَة } .
فالإنسان يصبح ويمسي فهو يَنعم بنعمه سبحانه : نعمة الهداية ، وكمال العقل ، ورغد في العيش ، وأمن في الأوطان و…. عطروا أفواهكم بالصلاة والسلام على من قال ” من أصبح منكم آمناً في سربه معافىً في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا “.
لذلك قال سبحانه : {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} .
ومن نعمه سبحانه على أهل هذه المنطقة توفر العيش من مأكل ومشرب ، من قوت ومدخر ، ما لذّ وطاب ، من معروف وغير معروف ، أصناف يعجز المرء عن حصرها وتعدادها ، جُبيت من جميع أقطار الأرض التي حُرم كثير من أهل الأرض منها .

لو كل واحد منا أخذ يمعن النظر على مائدة طعامه لوجد خريطة العالم بين يديه المانجو من كينيا والبرتقال من مصر والحلا من المغرب والجبنة من هولندا وطعام من الصين وآخر من أمريكا (أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون) إنها دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.
الواجب علينا  تجاه هذه النعم شكر المنعم سبحانه ، فقال تعالى : { فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} ، وقال تعالى : {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ } . وقطع سبحانه بالمزيد مع الشكر {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } .
والشكر ينتظم من علم وحال وعمل ، فالعلم معرفة النعمة من المنعم ، والحال هو الفرح الحاصل بإنعامه المتعلق باللسان بالتحميدات الدالة على شكره سبحانه ، والعمل هو القيام بما هو مقصود المنعم ومحبوبه المتعلق بالجوارح باستعمال هذه النعم في طاعته ، والتوقي من الاستعانة بها على معصيته .
فكل من عمل في نعمه سبحانه عملاً يخالف الغرضَ المقصود منها فقد كفر بهذه النعمة .
فالحفاظ على الأطعمة بأي شكل من أشكال الحفظ ؛ هو المتحتم من كل إنسان سيما المؤمن بالله رباً ، وبمحمد نبياً ، وبالإسلام ديناً يكون فيه شكر لهذه النعم ، والعكس بالعكس ، قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}.
وأما الاستهانة في النعم ورميها مع النفايات غاية في الإسراف والتبذير ، الذي هو سمة المتغطرسين ، والمتكبرين ومن لا يقدر للأمور قدرها ، قال الله تعالى {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.
وأخبر سبحانه عن منزلة المبذر بقوله : { وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} .
ونتيجة الإسراف والتبذير ، والكفر بالنعم نتيجة سيئة للغاية : دمار وخراب ، وتفرق وشتات

أحبتي نعد نحن من أكثر دول العالم تصديرا للنفايات وإنه ليحزنك حينما تأتي لأحد الناس في بيته تجد بقايا الطعام مع النفايات ، حتى أن روائح الطعام تفوح من مكان النفايات ، وعندها بعض الحيوانات قريبة من مكان النفايات .

وتواجد بعض الحيوانات داخل الأحياء تسرح وتمرح قريبة من المنازل ظاهرة غير حضارية ، ولا صحية ، وغير لائقة بالمجتمعات المتقدمة ، وهذه من النتائج السلبية لرمي هذه الأطعمة مع النفايات .
شكر النعمة عباد الله والحفاظ عليها مسؤولية الجميع كل بحسبه : فالأب داخل البيت فكل إسراف يحدث في بيوتنا هو مسؤليتنا نحن أيها الأباء (كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته)(وقفوهم إنهم مسؤولون) فلنحذر من أكون أنا و أنت سببا لزوال النعمة عن بلدنا فأقوم بالإسراف وغير ينظر ولا ينكر علي حتى لا يخسر صداقتي فيكون الزوال والعياذ بالله ، والأمر موجه كذلك من تجارته قائمة على تقديم الطعام للناس ، كالمطابخ ، والمطاعم ، والوجبات الخفيفة على نطاق متجرهم ، وكذا أصحاب محلات الخضرة و الفواكه .

وأصحاب الفنادق ، والشقق المفروشة وقصور الأفراح ليسو بمنأى عن مسؤولية ما يرمى مع نفايات من الأطعمة .

والقائمون على محاضن التربية والتعليم على كاهلهم مسؤولية عظيمة تجاه ما يرمى من الأطعمة من بعض المدارس ؛ فإن هناك للأسف الشديد كثير من المدارس لا يهتمون بما يبقى من الطعام من الطلاب ، فترمى مع النفايات .

والأمانات والبلديات على قمة هرم المسؤولية فليأخذ هذا الموضوع حيزاً كبيراً من اهتماماتهم وشؤونهم ليجد حلولاً مجدية كغيره من الموضوعات الشائكة التي تم علاجها لما لقيت الصدق والجد ، وعلاج ظاهرة رمي الأطعمة مع النفايات لن يجد صعوبة تذكر إذا صدق القائمون على الأمانات والبلديات في تلافي هذه الظاهرة ، وهذا هو المؤمل منهم .من عدم المحافظة على النعمة ألا تحول النفايات إلى طاقة بدأ 659 مصنعا حول العالم منها 400 في أوروبا و100 في اليابان و89 في الولايات المتحدة الأمريكية و70 في آسيا تحويل النفايات إلى طاقة حيث اتضح أن إعادة تدوير طن واحد من البلاستيك يؤدي إلى توفير 1.5 طناً من ثاني أكسيد الكربون فيما تقدر القيمة الإجمالية للطاقة المستخدمة من النفايات سنوياً حوالي 3.5 مليارات دولار.

هذا ما أعلنته “سابك”

كبريات الشركات في أوربا والولايات المتحدة قائمة على الاستفادة من بقايا الأطعمة بدلاً من أن ترمى مع النفايات يتم تحويلها إلى أعلاف للحيوانات وأسمدة عالية الجودة .

مع أن المسلمين أجدر وأحق بهذا التصرف الحميد.
وسائل وطرق في الحفاظ على هذه النعم :

التوسط في المأكل والمشرب بلا إسراف يؤدي إلى التخمة والأمراض ، ولا يقصر فيضر بصحته أخذًا بوصية الحبيب  صلى الله عليه وسلم  : ” ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه ” .

وعند الأخذ بهذه الوصية فلن يحتاج الإنسان إلى رمي ما بقي من الطعام .

عزل ما يمكن أن تكون الفائدة منه كبيرة مثل بقايا الخبز عن بقية بقايا الطعام . ومن ثم تعطى من يستقبلها نحو الجمعيات والمستودعات الخيرية .

البعد عن إطالة تخزين بقايا الطعام كأن تجلس يومين فأكثر ومن ثم ينتج عنه روائح فيريد الإنسان أن يتخلص من هذه الروائح فيلجأ إلى رميها مع النفايات .

فصل أماكن بقايا الطعام عن أماكن بقايا النفايات داخل المنزل . وعلى أصحاب الفنادق ، والشقق المفروشة تقديم خدمات للنزلاء بهذا الخصوص كأن يكون هناك حاويات ، وأكياس مميزة ببقايا الأطعمة فهي خدمة أولى وأفضل بلا شك من كثير من الخدمات التي تقدم لنزلاء هذه الأماكن .

5ـ مما يعين على الاستفادة من بقايا الطعام أن أصحاب المواشي يستقبلون هذه الأطعمة ، ولا يمانعون من ذلك فيتحرى الإنسان عن هذه المواشي ، وقد يجد من يكون من أهل الحي الذي يقطن فيه عنده مواشي فيستقبل هذه الأطعمة لاسيما التي ليس لها روائح ، وقد يكون أحد أهل الحي خصص سيارة لبقايا الأطعمة . بل قد يتعدى إحسانه إلى أبعد من ذلك فتجده يمر على الأطعمة التي وضعها أصحاب البيوت عند أبوابهم وخاصة جيرانه الأقربين فجزاء الله خيراً من كان هذا صنيعه ـ .

أو أن هناك مواشي قريبة من بعض الأحياء في بعض المدن يستقبل أهلها هذه الأطعمة فما عليك أخي إلا أن تمشي خطوات معدودة احتراماً لهذه النعم .

6ـ بما أن كثيراً من المدن لا يبعد عنها البر مسافة تذكر فما عليك أخي إلى أن تحتسب الأجر عند الله فتذهب بهذه الأطعمة إلى هذا البر ، ومن ثم قد تأتي حيوانات تأكل هذه الأطعمة فتظفر بأجرين من رحمته سبحانه ـ إن شاء الله ـ : أجر لاحترام هذه النعم ، وأجر إطعام هذه الحيوانات ، وفضل الله يؤتيه من يشاء .

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الإحسان

نصرة المظلوم