حق الأخوة
دعوها فإنها مأمورة (الناقة) لتصل عند منزل أبو أيوب الأنصاري فينزل عنده الرسول صل الله عليه وسلم
كان أوّل عملٍ قام به النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد بناء المسجد تشريع نظام المؤاخاة ، والتي تمّ إعلانها في دار أنس بن مالك رضي الله عنه ، وهي رابطة تجمع بين المهاجريّ والأنصاريّ ، تقوم على توثّيق مشاعر الحب والمودّة ، والنصرة والحماية ، والمواساة بالمال والمتاع .
وهذه المؤاخاة أخصّ من الأخوّة العامة بين المؤمنين جميعاً ، وذلك لأنها أعطت للمتآخييْن الحقّ في التوارث دون أن يكون بينهما صلةٍ من قرابة أو رحم ، كما في قوله تعالى : { ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } ( النساء : 33 ) .
وقد استمرّ العمل بقضيّة التوارث زمناً ، حتى استطاع المهاجرون أن يألفوا المدينة ويندمجوا في المجتمع ، وفتح الله لهم أبواب الخير من غنائم الحرب وغيرها ما أغناهم عن الآخرين ، فنسخ الله تعالى العمل بهذا الحكم ، وأرجع نظام الإرث إلى ما كان عليه ، وذلك في قوله تعالى : { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } ( الأنفال : 75 ) ، مع بقاء العمل بالنصرة ، وتبادل العطايا ، وإسداء المشورة والنصيحة ، وغيرها من معاني الأخوة .
وتذكر لنا مصادر السيرة أسماء بعض الذين آخى بينهم النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فقد آخى بين أبي بكر و خارجة بن زهير ، وآخى بين عمر بن الخطاب و عتبان بن مالك ، وبين أبي عبيدة بن الجراح و سعد بن معاذ ، وبين الزبير بن العوام و سلامة بن سلامة بن وقش ، وبين طلحة بن عبيد الله و كعب بن مالك ، وبين مصعب بن عمير و أبو أيوب خالد بن زيد رضي الله عنهم أجمعين ، وأسماء أخرى بلغت تسعين صحابيّاً .
وعند مراجعة أسماء هؤلاء الصحابة ، نجد أن تلك المؤاخاة لم تُقم وزناً للاعتبارات القبلية أو الفوارق الطبقية ، حيث جمعت بين القوي والضعيف ، والغني والفقير ، والأبيض والأسود ، والحرّ والعبد ، وبذلك استطاعت هذه الأخوّة أن تنتصر على العصبيّة للقبيلة أو الجنس أو الأرض ، لتحلّ محلّها الرابطة الإيمانيّة ، والأخوّة الدينيّة .
وقد سجّل التاريخ العديد من نذكر موقف من المواقف المشرقة التي نشأت في ظلّ هذه الأخوة ، ومن ذلك ما حصل بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن الربيع رضي الله عنهما ، حيث عرض سعد على أخيه نصف ماله ليأخذه ، بل خيّره بين إحدى زوجتيه كي يطلّقها لأجله ، فشكر له عبد الرحمن صنيعه وأثنى على كرمه ، ثم طلب منه أن يدلّه على أسواق المدينة ، ولم يمرّ وقتٌ قصير حتى استطاع عبد الرحمن بن عوف أن يكون من أصحاب المال والثراء .
ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ ، بل إن كثيراً من الأنصار عرضوا على النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يقسم الأراضي الزراعيّة بينهم وبين إخوانهم من المهاجرين ، ولكنّ النبي – صلى الله عليه وسلم – أراد أن تقوم هذه المواساة دونما إضرارٍ بأملاكهم ، فأشار عليهم بأن يحتفظوا بأراضيهم مع إشراك إخوانهم المهاجرين في الحصاد ، وقد أورث صنيعهم هذا مشاعر الإعجاب في نفوس المهاجرين ، حتى إنهم قالوا للنبي – صلى الله عليه وسلم – : يا رسول الله ما رأينا قوما قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل ، ولا أحسن بذلا في كثير منهم ، لقد حسبنا أن يذهبوا بالأجر كلّه ” ، كما كانت تضحياتهم ومواقفهم النبيلة سبباً في مدح الله لهم بقوله : { والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } ( الحشر : 9 ) .
وقد حفظ النبي – صلى الله عليه وسلم – هذا الفضل للأنصار ، فمدحهم بقوله : (لو أن الأنصار سلكوا وادياً أو شعباً ، لسلكت في وادي الأنصار ) رواه البخاري ، وبيّن حبه لهم بقوله ( الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ، ولا يبغضهم إلا منافق ؛ فمن أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله ) رواه البخاري ، ودعا لأولادهم وذرياتهم بالصلاح فقال : ( اللهم اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار، ولأزواج الأنصار ، ولذراري الأنصار ) رواه أحمد ، وآثر الجلوس بينهم طيلة حياته فقال :( لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار ) رواه البخاري .
وبهذا نستطيع أن نلمس عظمة هذا الجيل الذي تربّى على يد النبي – صلى الله عليه وسلم – ، عندما كانت الأخوة الإيمانيّة هي الأساس لعلاقاتهم ، فما أحوجنا إلى أن نتّخذ هذا المجتمع الفريد قدوة لنا في تعاملنا وعلاقاتنا .
ما هو حكم حقوقنا مع بعضنا البعض؟
قال الله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى (يجمع 3 حقوق) وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36].
قال ابن القيِّم – رحمه الله تعالى -: وكل مَن ذكر في هذه الآية، فحقه واجب وإن كان كافرًا؛ ا. هـ.
عن أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي – صلى الله عليه وسلم-:(أن رجلاً زار أخاً له في الله في قرية أخرى، فأرصد الله له على مدرجته ملكاً، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية ،قال :هل لك عليه من نعمة تربها ؟قال :لا، غير أني أحببته في الله عز وجل،قال:فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه).
ياالله بسبب زيارة واحدة يحبك الله ؟ هل نحن على وعي كامل بمعنى يحبنا الله ؟ (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر فيه ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعـطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ) .
إذن أيها الأخوة :الحب في الله سبب لنيل رضا الله ومحبته، وكذلك سبب لنيل أعظم المنازل عند الله يوم القيامة
عن أبي مالك الأشعري – رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أقبل على الناس بوجهه فقال: (يا أيها الناس اسمعوا واعقلوا واعلموا أن لله عز وجل عباداً ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله)، فجاء رجل من الأعراب من قاصية الناس وألوى بيده إلى نبي الله – صلى الله عليه وسلم-؛ فقال: يا نبي! ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله؟! انعتهم لنا – يعني صفهم- فسر وجه رسول الله – صلى الله عليه وسلم- لسؤال الأعرابي فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: (هم ناس من أفناء الناس ونوازع القبائل، لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابوا في الله وتصافوا يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور،ويجلسهم عليها فيجعل وجوههم نوراً،وثيابهم نوراً يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون، وهم أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون).
وعن أبي أمامة الباهلي – رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: (من أحب لله، وأبغض لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان).
إن المتحابين في الله قد أحبهم الله، فعن عمرو بن عبسة – رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول: (قال الله عز وجل: قد حقت محبتي للذين يتحابون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتزاورون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتباذلون من أجلي، وقد حقت محبتي للذين يتصادقون من أجلي).
تعليقات
إرسال تعليق