الوحدة


بلادنا قامت على كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة..

وإذا انصرفنا عن كلمة التوحيد، وتوحيد الكلمة فهذا مؤشر خطير ينذر بخطر عظيم، وإذا كنا مستيقظين، متعلقين بالواحد سبحانه، مؤمنين به، وموحدين صدقاً، وحقاً، كان الأمن والآمان بيننا في: مأكلنا، ومشربنا، ونومنا، واستيقاظنا، وجميع حياتنا..

هذه الوحدة تحتاج منا أولاً: إلى صدق النية:

(سئل صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء ، أي ذلك في سبيل الله ؟ قال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) [متفق عليه] .

وعند أبي داود: (أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : الرجل يقاتل للذكر ، ويقاتل ليحمد ، ويقاتل ليغنم ، ويقاتل ليرى مكانه ، فمن في سبيل الله ؟ قال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) .

فإذا كان جنودنا البواسل في جنوبنا يقاتلون من أجل الله، ولله، وبالله، وحماية لبلاد الحرمين وذباً عن أعراضنا، وأموالنا، فحيهلاً بالنصر على أعداءنا الحوثيين يخنسون، ويتضائلون، يوما بعد يوم بفضل الله ثم بقيادة حكيمة وفقها الله لجمع كلمة الدول في تحالف مجيد ضد العدو الحوثي البغيض؛ والذي يستمدوا قوته من الروافض الذين فرقوا شمل المسلمين في: العراق، وسوريا، ولبنان، بتنسيق خبيث مع دول كافرة ويسعون جاهدين لتفريق شمل بلادنا حرسها الله من كل: كائد، وعدو، وبغيظ، ومن كل مكروه.

اللهم قوي شوكة جنودنا المرابطين في الجنوب.. اللهم سدد رميهم .. وقوي شوكتهم وكن لهم مؤيدا ونصيرا ومؤازرا وظهيرا..

وحسن النية لا يقتصر عليهم فحسب! بل لابد أن نحسن نياتنا جميعا طلابا، ومعلمين، ومهندسين، ومزارعين، وأطباء، وعاملين؛ فيما نمتهن وأن نشعر بالمسؤولية جميعاً.. وبأن لا نقتصر رجل الأمن في المرابط في ثغورنا فقط فكلنا رجل أمن وضعوا تحت هذه الكلمة خطاً أحمر : كلنا رجل أمن كل منا في مكانه وبما أوتي من قدرات..

ومما تحتاجه الوحدة منا ثانياً: هو الوعي..

بأهمية هذه الوحدة وبأنها لا تقتصر على بلادنا فقط بل بلادنا وجميع بلاد المسلمين في كل مكان، فليست مقدساتنا المسجد الحرام والمسجد النبوي فقط فالمسجد الأقصى هو جزء من أمتنا لا يتجزأ وصدق الله إذ يقول: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من أياتنا إنه هو السميع البصير) فكما أن عقيدتنا تأمرنا بحماية المسجد الحرام والنبوي، كذلك عقيدتنا تأمرنا أن نحمي المسجد الأقصى الذي بدأ الصهاينة بالدخول فيه عنوة هذه الأيام أمام أعيننا، ونحن لا نحرك ساكنا حتى أننا لم نستطع أن نكلف أنفسنا بسماع أخباره والذهاب للجمعيات التي رسمتها الدولة حفظها الله لدعمه بكل ما نستطيع!

الوحدة بين المسلمين، بنصوص القرآن والسنة:

لقد تنوعت أساليب القرآن والسنة في الدلالة على وجوب الوحدة، فتارة تأمر بالوحدة أمراًِ صريحاً كما في قول الله عز وجل: (وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءايَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران:103].

قال القرطبي رحمه الله: “فإن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هلكة، والجماعة نجاة”، ورحم الله ابن المبارك حيث قال:

إن الجماعة حبـل الله فاعتصموا   *   منه بعروته الوثقى لمن دانا

وأخرج الطبري عن عبد الله بن مسعود قال: (حبل الله الجماعة).

في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ).

وتارة تأمر بتحصيل أمور لا يمكن أن تحصل إلا بالوحدة: قال الله عز وجل: (إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات:10].

وقال جل وعلا: (فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ) [الأنفال:1].

وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (لا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) [رواه الإمام أحمد، وأصله في صحيح مسلم عن أبي هريرة].

فهذه الأدلة تأمر المسلمين بالأخذ بكل ما يزيد المحبة بينهم، والنهي عن كل ما يولد البغضاء في صفوفهم، وتأمرهم صراحة بأن يكونوا إخوة، ولا يمكن للمسلمين أن يكونوا إخوة إلا إذا كانوا متحدين، فإن الأخوة ضد الفرقة والاختلاف.

ومن أساليب القرآن والسنة في الدلالة على وجوب الوحدة بين المسلمين النهي الصريح عن الافتراق والاختلاف الذي هو ضد الوحدة والاجتماع.

قال الله عز وجل: (وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ) [الأنفال:45].

أخرج الطبري عن ابن عباس في قول الله تعالى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [آل عمران:105]، قال: (في هذا ونحوه من القرآن أمرَ الله جل ثناؤه المؤمنين بالجماعة فنهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم أنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله).

قد حذر الله عز وجل هذه الأمة من محنة الفرقة وبين لهم أنـهـا هـي الـسبب الـمباشر في هلاكها فقال عز وجل: (قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ويُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كـَـيْـفَ نُـصَـرِّفُ الآيَاتِ لَـعَـلَّـهُـمْ يَفْقَهُونَ) [الأنعام:65].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) وقال: (المسلم أخو المسلم).

 

ثالثاً: نحتاج لنبذ العنصرية التي تفتق بالوحدة:

فلا عنصرية ولا عصبية، والعلو في مجتمع الإسلام يقوم على أساس فعل الخير لا على أساس نبل الدم.

يقول تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) [سورة الحجرات: الآية: 13].

العروبة ليست دما وإنما لسان .. فمن تكلم بها فهو عربي..

من الذي خدم اللسان العربي نحوا وصرفا وبلاغة أليس سيبويه؟

أليس ممن خدم التفسير الإمام الزمخشري والزجاج؟

أليس ممن خدم الحديث الإمام الترمذي والبخاري ؟

أليس ممن خدم الفقه الإمام أبو حنيفة ؟

هل يقع التفاضل بين البشر على أساس: اللغة؟ اللون؟ اللهجة؟ البشرة؟، أم على أساس: التقوى، والعمل الصالح؟

(ليس منا من دعى للعصبية)..

لما بنى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دولته الأولى على نطاق مدينته المنورة كان يبشر أصحابه بدولته الكبرى بفتح بلاد فارس، وبلاد الروم، واليمن… وفعلاً لم ينتقل إلى جوار ربه حتى جعل جزيرة العرب كلها دولة واحدة، وكان في مرضه الأخير عندما جهز جيش فتح الشام الذي أمّر عليه الشاب المجاهد أسامة بن زيد.

وتتابعت الفتوحات في عهد خليفته الصديق، واتسعت رقعة الوحدة، وهكذا في عهد عمر وعثمان…. ووصل الإسلام إلى حدود الصين ثم إلى حدود باريس غرباً، وصار الناس أمة واحدة ؛ العربي أخو الصيني، والفارسي أخو الرومي، وبقوا كذلك ماداموا ملتزمين بقول الله تعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) [سورة الأنفال: الآية: 46]، و بمنهج المصطفى صلى الله عليه وسلم القائل: (أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى – ثم قال صلى الله عليه وسلم -: اللهم فاشهد) [البيهقي عن جابر مرفوعاً].

 

رابعاً:عبادات الإسلام كلها تدعو إلى الوحدة وتعبر عنها:

فالصلاة التي هي عمود الدين يقف المسلمون فيها صفاً واحداً لا فرق بين غني ولا فقير، ولا أمير ولا مأمور، ولا رئيس ولا مرؤوس…. كلهم يضع جبهته على الأرض معلناً بأن الله أكبر من كل كبير.

وفي الحج يجتمع المسلمون على اختلاف ألوانهم في مكان واحد، يتخلون عن كل ثيابهم وأنانياتهم، ويلبون نداء الله الواحد، يتعلمون أخلاق المجتمع الإسلامي ؛ فلا رفث ولا جدال ولا فسوق.

أما الصوم ففي توقيته الزماني إشعار للمسلمين بعمق الوحدة، كلهم ممسك صائم عن المباحات والمحرمات المفسدة للصوم، يدفعهم إحساسهم بالجوع والألم إلى المواساة والنصرة للضعفاء والفقراء والمحتاجين.

وهكذا الزكاة التي هي حق مفروض في مال الأغنياء من المؤمنين للفقراء والمساكين، يدفعونها إليهم بلا منّ ولا أذى، تكاتفاً وتعاوناً على طاعة الله، والقصد أن يكون الله تعالى عنهم راضٍ.

 

الوحدة المتجسدة في أمتنا من الإجحاف أن نقول أنها لم تأتِ بخير ، فالهيئات والمنظمات والمؤسسات الإسلامية والتي قامت على خدمة الإسلام وليس العروبة والقوميات، انبثق أريجها في زيادة أعداد المسلمين في الدول التي تحارب الإسلام فها هي أمريكا يتزايد فيها المسلمين إلى أكثر من سبعة ملايين مسلم ورسيا لأكثر من عشرين مليون مسلم وأعداد تتزايد في كل يوم من المسلمين في أوربا وهنا وهناك من بلاد الكفر.

إلى كل من ينظر لضعف الوحدة نظرة تشاؤمية ..قل لي بربك كيف تحرك المسلمون عند الإساءة لسيدتنا عائشة رضي الله عنها ، بل قل لي بربك كيف تحرك المسلمون عند الإساءة لنبينا صلى الله عليه وسلم وكم دخلت من أعداد في الإسلام..

أسلامنا كلما حورب اشتد، وكلما ترك امتد..

وكما نطالب بتوحد الأمة فلنتوحد في حيّنا أولاً..!

 

محبكم / خالد حسن عبد الكافي 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الإحسان

نصرة المظلوم