السلام

السلام : لحسنه الذاتي وأثره الطيب صار اسماً من أسمائه تعالى. اسم لله منتشر ومتردد بين خلق الله في الدنيا وفي الجنة (تحيتهم يوم يلقونه سلام).

معاني عظيمة في هذا الاسم: (هُوَ اللهُ الذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ).

الله عز وجل هو السلام لسلامته من النقائص والعيوب ، فهو الذي سَلَام في ذاته بنوره وجلاله، فمن جماله وسبحات وجهه احتجب عن خلقه رحمة بهم وابتلاء لهم روى مسلم من حديث أَبِي مُوسَى رضي الله عنه أن النبي قال صلى الله عليه وسلم : (حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ)، وهو الذي سَلَام في صفاته بكمالها وعلو شأنها ، وسلام أيضا في أفعاله بإطلاق قدرته وإنفاذ مشيئته ، وكمال عدله وبالغ حكمته ، وهو سبحانه الذي يدعو عباده إلى السلامة وإفشاء السلام فأثنى على عباده في قوله : (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً) [الفرقان:63]، وقال عليه الصلاة والسلام: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، وهو الذي يدعو إلى سبل السلام باتباع منهج الإسلام كما قال : (يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) [المائدة:16] ، وهو سبحانه الذي يدعو عباده إلى دار السلام ويبلغ من استجاب منهم إليها فقال : (وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [يونس:25] ، فكل سلامة منشأها منه وتمامها عليه ونسبتها إليه.

وفي صحيح مسلم من حديث ثَوْبَانَ رضي الله عنه أنه قَالَ : ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاَثًا وَقَالَ : اللهُمَّ أَنْتَ السَّلاَمُ وَمِنْكَ السَّلاَمُ تَبَارَكْتَ ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ ).

 

عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه الله في الأرض فأفشوا السلام بينكم).

قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال : (إن السلام اسم من أسماء الله ، وضعه الله في الأرض ، فأفشوه بينكم ، إن الرجل إذا سلم على القوم فردوا عليه كانت له عليهم فضل درجة ، لأنه ذكرهم السلام ، وإن لم يرد عليه رد عليه من هو خير منه وأطيب).

يزيد الحسنات ، ويمحو السيئات .

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : (السَّلامُ عَلَيْكُمْ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ ، ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ النَّبِيُّصلى الله عليه وسلم عَشْرٌ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ ، فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ ، فَقَالَ عِشْرُونَ ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ ، فَقَالَ : السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقَالَ ثَلاثُونَ) أي : حسنة .

اسم “السلام” اسم يجعلك في سلام، اسم “السلام” يهديك إلى سبل “السلام“، اسم “السلام” اسم ينقلك إلى دار “السلام“، الذي يعانيه البشر اليوم مما لا يوصف من القهر، والاستغلال، والقتل، والتشريد، والإفقار، والإذلال، الأرض الآن تضج في الشكوى إلى الله عز وجل، والله هو “السلام“.

إذاً من أسماء الله السلام إنك إذا ذكرته شعرت بالسلام، إنك إذا ذكرته زال عنك الخوف، إنك إذا ذكرته زالت عنك الوحشة، إنك إذا ذكرته أنست به، إنك إذا ذكرته اطمأننت، إذا ذكرته تشعر بالقرب منه إذا ذكرته تشعر أنه يدافع عنك وأنك في رعايته وفي حفظه وفي تأييده وفي توفيقه وفي رعايته يدافع عنك.

البعيدون عن الله عز وجل يأكل قلوبهم الخوف، يختل توازنهم ينسحقون لأنهم أشركوا بالله ما لم ينزل به عليهم سلطاناً فألقى الله في قلوبهم الرعب، أما علامة المؤمن فهو مطمئن.

من معاني اسم السلام أنك إذا اتصلت بالله عز وجل طهرت نفسك من العيوب، وهنا ندخل في معانٍ دقيقة، وأول معنى أنّ ذاته جل جلاله تنزهت عن كل عيب وصفاته تنزهت عن كل نقص وأفعاله تنزهت عن كل شر، أي شر؟ هذا الشر المطلق أما الشر الهادف الذي يترتب عليه مصلحة للفرد والمجتمع ؟ فهذا علاج والعلاج يكون مر حتى لا يعود العبد إلى تلك المرارة إلا إذا أصر بأفعاله.

من المعاني الأخرى: أنه ذو سلامة أي يمنح السلامة لعباده إما في خلقهم، وإما في نفوسهم فذكر الله يورث الأمن والطمأنينة والسلامة.

قال ابن القيم: (وأما السلام فإنه الذي سلم من العيوب والنقائص ووصفه بالسلام أبلغ في ذلك من وصفه بالسالم ومن موجبات وصفه بذلك سلامة خلقه من ظلمه لهم فسلم سبحانه من إرادة الظلم والشر ومن التسمية به ومن فعله ومن نسبته إليه فهو السلام من صفات النقص وأفعال النقص وأسماء النقص المسلم لخلقه من الظلم ولهذا وصف سبحانه ليلة القدر بأنها سلام والجنة بأنها دار السلام وتحية أهلها السلام وأثنى على أوليائه بالقول السلام كل ذلك السالم من العيوب).

لنشاهد اسم الله السلام في خلق الله، فمثلا: الإنسان ينام هيكله العظمي له وزن، والعضلات التي فوق الهيكل العظمي لها وزن، وزن الهيكل مع ما فوقه من عضلات تضغط على ما تحته من عضلات، فإذا ضغطت الأوعية الدموية تضيق. الله عز وجل أودع بالإنسان مراكز للإحساس بالضغط، فإذا ضغطت العضلات، ومعها الأوعية التي تحت الهيكل العظمي.

هذه المراكز مراكز الضغط تعطي إشارة إلى الدماغ، لقد ضغطنا، الدماغ يعطي أمر إلى العضلات فينقلب الإنسان على شقه الآخر، وهو نائم، تصور

إنسان نائم تقلب أكثر من أربعين مرة قال تعالى: (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال) [الكهف: 18].

تقلب الإنسان في نومه من أجل سلامته، الإنسان إذا أصيب بمرض السبات لابد من تقليبه، وإلا يتفطر لحمه، ينسلخ لحمه، وهذا من آيات الإعجاز العلمي، لولا أن أهل الكهف الذين مكثوا في كهفهم ثلاثمائة عام، لولا أن الله قلبهم لماتوا بعد شهر من إيوائهم في الكهف، (ونقلبهم)، فالتقليب تطبيق عملي لاسم الله ” السلام“.

وأنت نائم، وأنت غارق في النوم يتجمع اللعاب في فمك، تذهب إشارة إلى الدماغ. لقد زاد اللعاب في الفم، والدماغ يعطي أمرا -وأنت نائم- إلى لسان المزمار فيغلق فتحة الهواء، ويفتح فتحة المريء ويسري اللعاب إلى المعدة، هذا يتم من حين لآخر أثناء النوم، وأنت نائم، هذا من اسم ” السلام“.

لو أن الله ملكك حركة القلب، مستحيل أن تنام، إذا نام الإنسان مات فورا، لكن حركة القلب لا إرادية، تولاها عنك، تنام نوما عميقا والقلب ينبض.

لأن الله “سلام“، لو ذهب أحدنا إلى بلد في شمال الأرض بالمنطقة القطبية، يضع قبعة على رأسه، قفازات في يده، ويرتدي ثيابا صوفية، كل شيء له احتياط، إلا العين هل بإمكانه أن يغطيها؟ العين فيها ماء، والماء يلامس جو حرارته 69 تحت الصفر، نظريا يجب أن يفقد كل إنسان بصره هناك، لكن الله لأنه ” سلام” أودع في ماء العين مادة مضادة للتجمد، هذا من تطبيقات اسم “السلام“.

الطفل يولد لا يوجد قوة في الأرض يمكن أن تعلمه آلية معقدة جدا ألا وهي المص، يجب أن يضع شفتيه حول حلمة ثدي أمه، وأن يحكم الإغلاق، وأن يسحب الهواء، هذا منعكس آلي يولد مع الطفل، لو أنه في أثناء تغسيله بعد الولادة مباشرة وصلت إصبع الممرضة إلى شفتيه مصها، معه آلية المص، سماه العلماء منعكس المص، أحكم السلام سبحانه الإغلاق، وسحب الهواء، فأدر له السلام الحليب ليرتوي ويشربه بسلام، لا يوجد قوة في الكون تعلم الطفل. الله زوده بمنعكس آلي يمص ثدي أمه بإحكام، وبدقة، وبمهارة وقد ولد لتوه، هذه من تطبيقات اسم “السلام“.

خلقنا لنعيش في سلام ولنسعد وليس لنعيش في سوء وذلة وهوان.. ولكن عندما لا نستوعب معادلات الحياة وأن السعادة تكمن في مفهوم العبادة الواسع (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون)، فعدم الاستجابة يولد معيشة ضنكا (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آيتي فنسيتها وكذلك اليوم تنسى).

(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

وهنا توضيح بطريقة أخرى لمن لم يفهم بعد معادلات الحياة (من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والأخرة فليمدد بسبب ..).

وردَ ذكرُ السلامِ في القرآن مُتصرِّفًا أربعًا وأربعين مرَّةً، في حين أن لفظَ الحرب لم يرِد في الكتاب الحكيم إلا ستَّ مراتٍ، والمسلمون يقولون كلَّ يومٍ وليلة لفظَ السلام عشر مراتٍ؛ وذلك اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرَف من صلاته؛ حيث كان يقول: (أستغفرُ الله. أستغفرُ الله. أستغفرُ الله. اللهم أنت السلامُ، ومنك السلامُ، تبارَكتَ ذا الجلالِ والإكرامِ) [رواه مسلم].

فالسلامُ دينُ الله في الأرض، وفي ميدان الحربِ والقتالِ إذا بذلَ العدوُّ كلمةَ السلام وجبَ الكفُّ عنه واعتبارُه مُسلمًا مُتمتِّعًا بالسلام؛ عملاً بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [النساء: 94].وقد جعل القصاص لإكمال مسيرة السلام في الحياة.. إذا أصيب عضو في الجسد مثل إصباع الإنسان بغرغينة لابد أن يبتر حتى يبقى الجسد سليما .

أهل الجنة تحيَّتهم يوم يلقَون ربَّهم (سلامٌ) : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا) [الأحزاب: 44]، والملائكةُ حينما يدخلون على أهل الجنة يُلقون عليهم السلام: (وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد: 23، 24].

ويحيا أهل الجنة وتحوطهم كلمات السلام: (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا) [الواقعة: 25، 26].

وقد أحسنَ أبو حاتم البُستيُّ – رحمه الله – حينما ضربَ مثلاً عن أحد شيوخه أن صيَّادًا كان يصطادُ العصافيرَ في يومِ ريحٍ، قال: جعلَت الرياحُ تُدخِلُ في عينَيْه الغُبار فتذرِفان، فكلما صادَ عصفورًا كسرَ جناحَه وألقاه في ناموسَة، فقال رجلٌ لصاحبِه: ما أرقَّه عليهم، ألا ترى دموعَ عينيْه! قال الآخر: لا تنظُر إلى دموعِ عينيْه، ولكن انظُر إلى عملِ يديْه!.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) [البقرة: 208، 209].

 

محبكم / خالد حسن عبد الكافي 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نصرة المظلوم

الإحسان