مولد نبينا صلى الله عليه وسلم

السراج المنير صلى الله عليه وسلم هو الذي قال عنه ربنا (إنك لذو خلق عظيم) … إنك لصاحب خلق عظيم.. فلذو وصاحب تفيد بأنه سيكون صاحب خلق ولكن قد يصاحبه وقتا فيتركه، فكم من أناس كانوا أصحاب أخلاق، فعندما دخلت عليهم الدنيا تغيرت أخلاقهم، عندما أخذوا المناصب تغيرت مشيتهم تغيرت حركاتهم تغيرت معاملتهم، أما نبينا صلوات الله وسلامه عليه قال الله عنه (وإنك لعلى خلق عظيم) أي أنت على علو في أخلاقك، فأنت الأخلاق والأخلاق جزءا منك.

زكَّاه الله في عقله، فقال – سبحانه -: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى)(النجم الآية: 2)، وزكَّاه في لسانه وكلامه فقال: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) [النجم الآية: 3]، وزكَّاه في بصره، فقال: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى)(النجم الآية: 17)، وزكَّى فؤاده، فقال: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى)(النجم الآية: 11)، وزكَّاه في صدره، فقال: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (الشرح الآية: 1)، وزكَّاه في رحمته بالمؤمنين، فقال: (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة من الآية: 128)، وزكَّى معلمه فقال: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى)(النجم الآية: 5)، وزكى أصحابه فقال: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) (الفتح من الآية:29)، وزكاه وأثنى على أخلاقه كلها فقال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم الآية: 4) .زكاه كله فقال (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)

الكون قرآن صامت والقرآن قرآن ناطق والنبي صلى الله عليه وسلم قرآنا يمشي على الأرض، تخبر عنه عائشة رضي الله عنها وتقول (كان قرآنا يمشي على الأرض)، (كان خلقه القرآن)..

الله عندما ينادى موسى يقول يا موسى إنني أن الله.. ينادي يحي يا يحي..ينادى عيسى ..يا عيسى أأنت قلت للناس .. ولكن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يناديه ربنا يامحمد بل (يا أيها النبي) (يا أيها الرسول).

مهما تحدث المتحدث فلن يكون حديثه أجمل وأرقى من حديثنا عمن قال فيه الشاعر:

وأجمل منك…

إنّ البخيل إذا ذكرتَ محمّدا
عقد اللسانَ ونال من فمه الردى
صلّوا على المختار ما صلّى الورى
جُعلت له روحي وأنفاسي فدا

لو امتدحنا رسولنا طوال حياتنا ولم نقتدى فماذا ستكون النتيجة؟

ستكون النتيجة مثل ذلك الشاب الأمي الذي أمضى وقته كله في مدح والده العالم العظيم الجهبذ.. سيبقى الابن جاهل وسيبقى الأب عالما إلى أن يعي الابن أن الاقتداء هو المخلص من جهله وضعفه وليس المديح والاحتفالات التي لا يعقبها عمل..

لماذا نرفض عيد الأم لأن بعض من الغرب لا يعرفون أمهاتهم إلا في ذلك اليوم، أما نحن فديننا يأمرنا أن نعرف أمهاتنا كل يوم، ومن حصافة البار أن لا ينساهم في عيد الفطر والأضحى من هدية تزيد الألفة والمحبة..

صدق الله إذ يقول (أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون) إن معرفة رسولنا هي شطر الإيمان فالمسلم لا يكون مسلما حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله..

هل نحن تعلمنا سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم؟هل تربينا عليها؟

كيف نستطيع أن نقنع أولادنا أن يتركوا قدواتهم الدنيوية لتكون القدوة هو محمد صلى الله عليه وسلم؟

ديننا يا أحبة جعل المثالية أمر واقع وملموس، والمثالية لا تعيش إلا بالمثل الحي.

ليتنا نخرج ببرنامج عملي يا أحبة من خطبة اليوم .. لقاء أسبوعي مع أولادنا يكون الحديث فيه عن سيرة نبينا صل الله عليه وسلم،لن يستطيع أن يكون ولدك أو زوجك مقتديا بنبينا صلى الله عليه وسلم حتى يتعرف على سيرته..ولنحذر من مدخل الشيطان الذي يمنعناعن ذلك بحجة ضعف علمنا أو عدم قدرة ضبط أولادنا لذلك..

قراءة السيرة ستربي فينا وفي أزواجنا و أولادنا كيف يتعامل نبينا صلى الله عليه وسلم مع الأطفال فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: (كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم العشاء؛ فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما بيده من خلفه أخذًا رفيقًا ويضعهما على الأرض، فإذا عاد عادا، حتى إذا قضى صلاته أقعدهما على فخذيه)..

هل لو علمنا أولادنا ذلك سينزعجون من صوت بكاء طفل أو حركته في المسجد؟

قراءة السيرة ستربي فينا كيف يتعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجاته وذلك من خلال عَلاقته مع زوجه؛ فتجده أوَّل مَنْ يواسيها، يُكَفْكف دموعها، يُقَدِّر مشاعرها، لا يهزأ بكلماتها، يسمع شكواها، ويخفِّف أحزانها؛ فكان مثالاً يُحتذى، وقدوة حسنة يستفيد منها البيت المسلم على مرِّ القرون والأزمان

وصفت السيدة عائشة -رضي الله عنها- حال رسول الله صلى الله عليه وسلم كزوج داخل بيته، فقد كان صلى الله عليه وسلم (يَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيُرَقِّعُ ثَوْبَهُ ). فكان تعامله مع زوجاته من منطلق الرحمة والحب، كما أنه تعامل أيضًا من منطلق أنه بشر مثل باقي البشر الأسوياء، الذين لا يَرَوْنَ غضاضة في مساعدة أزواجهم.

ومن عظيم محبَّته لهن -رضي الله عنهن- أنه صلى الله عليه وسلم كان يشاركهن المأكل والمشرب من نفس الإناء، فعن عائشة –رضي الله عنها- أنها قالت: (كُنْتُ أَشْرَبُ فَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ, وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فيَّ).

وكان يخرج معهن للتنزُّه لزيادة أواصر المحبَّة، فيروي البخاري: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ يَتَحَدَّثُ).

قراءة السيرة ستربي فينا الأدب حتى في دخول المنزل كان رسول الله إذا دخل بيته لف ثوبه حتى لا يزعج أحدا ,للثوب عند المشي حفيف فهل يعقل حفيفه يوقظ الأهل ,من شدة رقته ومن شدة رحمته ومن شدة عنايته بأهله يلف ثوبه عند دخوله البيت

قراءة السيرة ستربي فينا أن نعدل بين الناس يا فاطمة بنت محمد, أنا لا أغني عنك من الله شيئاً، (من يبطئ به عمله لم يسرع به نسبه, لا يأتيني الناس بأعمالهم, وتأتوني بأنسابكم).

قراءة السيرة ستربي فينا عدم التفرقة بين الأمير والغفير‏

عَنْ ‏‏أَبِي هُرَيْرَةَ (‏‏أَنَّ ‏رَجُلًا أَسْوَدَ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ،‏ ‏كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ ؛ فَمَاتَ فَسَأَلَ النَّبِيُّ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏عَنْهُ فَقَالُوا : مَاتَ ، قَالَ : أَفَلَا كُنْتُمْ ‏‏آذَنْتُمُونِي ‏بِهِ ‏؟ ‏دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ ‏، ‏أَوْ قَالَ : قَبْرِهَا ‏، فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا) [رواه البخاري ، ومسلم].

سيرته صلوات الله وسلامه عليه تحتاج منا إلى قراءة يعقبها عمل،وليس امتداح لا يعقبه اقتداء ،قلي من تريد أن تكون على منهجه وسيرته،أقل لك من أنت

(لقد جاءكم رسول من أنفسكم..)

 

(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [سورة الأنفال الآية: 33].

قال علماء التفسير: طبعاً في حياة النبي, ما دام النبي عليه الصلاة والسلام بين أظهرهم, هم في بحبوحة من عذاب الله، في مأمن من عذاب الله، ولكن ما معنى هذه الآية: بعد انتقال النبي عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى؟

معنى هذه الآية: ما دامت سنتك يا محمد في حياتهم، في بيوتهم، في تجارتهم، في كسب أموالهم، في أفراحهم، في أتراحهم، في حلهم، في ترحالهم، في شدتهم، في رخائهم، ما دامت سنتك مطبقةً في حياتهم, ما كان الله ليعذبهم, فإن أردت أن تكون في مأمن من عذاب الله, فطبق سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
شيء آخر: قال تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [سورة الأنفال الآية: 33]

يعني أنت حينما تندم، وحينما تستغفر، وحينما تراجع نفسك، أنت في مأمن آخر من عذاب الله، أنت في مأمنين؛ في مأمن اتباع المنهج, وفي مأمن الندم على خرق المنهج، إن ندمت فأنت في مأمن, وإن سرت على الحق فأنت في مأمن، وحاجة الإنسان إلى الأمن حاجة كبيرة.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الإحسان

نصرة المظلوم