حلاوة الإيمان
بهذه الشهادات حصلنا على المتعة وهي لذة وحلاوة المأكل والمشرب والمركب والمسكن وكل المتع التي نبحث عنها أو بغيرها من الحرف والمهارات، لكن السؤال هنا؛هل حصلنا على متعة ولذة وحلاوة الإيمان..حلاوة الإيمان لا تحتاج إلى ثلاث مراحل دراسية إنما تحتاج إلى ثلاث خصال من وجدت فيه وحصل عليها عاش سعيدا في الدنيا والآخرة
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ، وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ)؛
وهناك فرق بين حقيقة الإيمان وبين حلاوة الإيمان..
(فحقائق الإيمان شيء، وحلاوة الإيمان شيء آخر؛ حقائق الإيمان يكتسبها الإنسان من خلال المدارسة والتعليم، وحلاوة الإيمان تتأتى للمؤمن من خلال المجاهدة (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم..)، حقائق الإيمان ـ إن لم يُعمل بها ـ تستقر في الذاكرة، ولا تسمو بالإنسان ولا تسعده ؛ بينما حلاوة الإيمان ثمرة يانعة من ثمرات مجاهدة النفس والهوى، تنبع من القلب، وتستقر به، وتسمو بالإنسان وتسعده، ولا يشدّ الإنسان إلى الدين حقائق الإيمان ـ وحدها ـ بل حلاوة الإيمان، التي تدفعه إلى بذل الغالي والرخيص، والنفس والنفيس، حقائق الإيمان أن تطلع على خارطة لقصر منيف، بينما حلاوة الإيمان أن تسكن ذلك القصر، حقائق الإيمان أن تتلفظ بكلمة ألف مليون، بينما حلاوة الإيمان أن تملكها، لأن حقائق الإيمان يدركها الإنسان بالعقل، فيقنع بها، وقد تغلبه نفسه فيخالفها، وحلاوة الإيمان يتذوقها القلب، فتجعله يهتز فرحا، تدفعه إلى أجلّ الأعمال، وأعظم البطولات.
فالمريض يجد طعم العسل مراً، والصحيح يذوق حلاوته على ما هي عليه وكلما نقصت الصحة نقصاً ما، نقص تذوق الحلاوة بقدر ذلك، وكذلك الإنسان يذوق حلاوة الإيمان، بقدر طاعته للواحد الديان) [النابلسي].
المؤمن يا أحبة هو أسعد الناس لأنه اتصل بالله،ضعفه يلغى فيصبح غنا لأنه اتصل بالله، جهله يلغى فيصبح عالما لأنه اتصل بالله (هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم).
لذلك قالوا السكينة يسعد بها العبد ولو فقد كل شيء ويشقى بها العبد ولو ملك كل شيء ..إن أردت أن تختبر إيمانك في حياتك الواقعية فسأل نفسك لو وصلت درجة حرارة أحد أولادنا لأربعين درجة في نصف الليل ماذا سنفعل.. أكيد سنسارع للطبيب لحبنا وخوفنا عليهم،وهذا مطلوب .. ولكن إذا كان الأمر نداء لصلاة الفجر كيف سنذهب (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين) اللهم لا تجعلنا ممن قلت فيهم (نسوا الله فأنساهم أنفسهم) هل أنا ممن إذا وقف في طابور لأخذ طعام أو انتظار للكشف عند الطبيب أتأفف وأتبرم أم استغل الوقت الذي يجعلني في طمأنينة بقول سبحان الله وبحمده 100 مرة أو …فيطمئن قلبي لذكره (ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
إن أم جريج عندما انشغل عنها ولدها بصلاته عرفت السر في انشغاله وهي حلاوة الإيمان التي امتلأت قلبه فلم تجعله يلتفت لأمه، فما كان لها حل إلا أن تدعو على ولدها بأمر يقلل من حلاوة الإيمان التي في قلبه فينصرف عن صلاته ليستجيب لها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله قال (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة ,عيسى ابن مريم, وصاحب جريج .وكان جريج رجلا عابدا فاتخذ صومعة, فكان فيها, فاتته أمه وهو يصلي, فقالت: يا جريج ,فقال: يا رب أمي وصلاتي, فأقبل على صلاته ,فانصرفت فلما, كان الغد أتته وهو يصلي, فقالت: يا رجريج, فقال يارب أمي وصلاتى ,فأقبل على صلاته, فانصرفت ,فلما كان في الغد أتته وهو يصلي ,فقالت: يا جرج ,فقال أي رب أمي وصلاتي, فأقبل على صلاته, فقالت اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات … فتذكر بنوا اسرائيل جريجا وعبادته, وما حصل معه .فكانت إمرأة بغي يُتمثَّل لها بالحسن والجمال ,فقالت: إن شئتم لأُفتننَه لكم. قال: فتعرضت له فلم يلتفت إليها فأتت راعيا كان يأوي إلى صومعته ,فأمكنته من نفسها ,فوقع عليها فحملت فلما ولدت قالت: هو من جريج فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته وجعلوا يضربونه, فقال ما شأنكم, قالوا زنيت بهذه البغي فولدت منك ,فقال أين الصبي فجاءوا به فقال: دعوني حتى أصلي, فصلى فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه وقال يا غلام من أبوك ؟قال فلان الراعي ,قال :فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب ,قال لا أعيدوها من طين كما كانت ففعلوا)
حتى نصل لحلاوة الإيمان لابد أن يدفع الثلث الأول من الثمن (أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا الله).
لو سألنا المليار مسلم هل الله ورسوله أحب إليك من كل شيء؟ لقال: نعم. لكن حقيقة أليس يقدم محابه على محاب الله؟
محاب الله:
أحدها: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به.
الثاني: التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض.
الثالث: دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال، فنصيبه من المحبة على قدر هذا.
الرابع: إيثار محبته على محبة نفسك عند غلبات الهوى.
الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها، وتقلبه في رياض هذه المعرفة وميادينها.
السادس: مشاهدة بره وإحسانه ونعمه الظاهرة والباطنة.
السابع: وهو أعجبها انكسار القلب بين يديه.
الثامن: الخلوة وقت النزول الإلهي وتلاوة كتابه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.
التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب كلامهم، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيداً لحالك ومنفعة لغيرك.
العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل.
وأما رسوله بحبه صلى الله عليه وسلم واتباع أوامره في أفعاله وأقواله وكل ما يكون في إقراره الثلث الثاني من الثمن، (وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ)، وذلك من لوازم محبة الله تعالى، قال شارح الطحاوية: (فمحبة رسل الله وأنبيائه وعباده المؤمنين من محبة الله، وإن كانت المحبة التي لله لا يستحقها غيره، فغير الله يحب في الله لا مع الله، فإن المحب يحب ما يحب محبوبه، ويبغض ما يبغض، ويوالي من يواليه، ويعادي من يعاديه، ويرضى لرضاه، ويغضب لغضبه، ويأمر بما يأمر به، وينهى عما ينهى عنه، فهو موافق لمحبوبه في كل حال، والله يحب المحسنين ويحب المتقين ويحب التوابين ويحب المتطهرين، ونحن نحب من أحبه الله، والله لا يحب الخائنين، ولا يحب المفسدين، ولا يحب المستكبرين، ونحن لا نحبهم أيضاً، ونبغضهم موافقة له سبحانه وتعالى، فالمحبة التامة مستلزمة لموافقة المحبوب في محبوبه ومكروهه وولايته وعداوته). انتهى.
والثلث الأخير من الثمن (وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)، قال الحافظ ابن حجر: (فإن قيل فلم عدى العود (بفي) ولم يعد (بإلى)؟ فالجواب: أنه ضمنه معنى الاستقرار، وكأنه قال: يستقر فيه، ومثله قوله تعالى: (وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا) ).
أن الوقوع في نار الدنيا أحب إلى العبد المؤمن حقاً من العود في الكفر لأنه يؤدي إلى دخول نار الآخرة والخلود فيها.
تعليقات
إرسال تعليق