والله لا يخزيك الله

إن من يريد أن يرزق السعادة في الدارين، نصر وتمكين.. وعزة في الدنيا وجنة عرضها السماوات والأرض في الآخرة والله لا يخزيكفعليه أن يحرص على قوة إيمانه ويجد ويجتهد في عمل الصالحات: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).

 

ما هي الأعمال الصالحة التي توصلني لذلك؟

 

لنعي جيدا أن العمل الصالح الذي نقدمه ليس بشرط أن نقدمه للمسلمين دون غيرهم: (وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) ولم يختص الأمر في الآية وقولوا للمؤمنين حسنا بل وقولوا للناس حسنا..

 

ولنرجع للوراء لنتعرف عن المخزون الكبير الذي كان يتصف به نبينا صلى الله عليه وسلم قبل أن يباشر الدعوة وقبل أن يباشر الإصلاح وقبل أن يدعوا الناس للإسلام ليكون هو المصباح الذي ينتشر به هذا الدين في جميع أصقاع الأرض إلى يوم القيامة وليس لوقت محدود..

 

بعد أن نزل عليه الصلاة والسلام من غار حراء وشاهد عظمة جبريل عليه السلام وشعر بضعفه، تقول له زوجته العظيمة خديجة رضي الله عنها:

 

كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.

 

توضح له بكل صراحة أن الله لن يخزيه لعلة واحدة، هي أنه مواظب على جملة من العبادات الاجتماعية.. فلن يخزي الله من وصل الرحم، وصدق الحديث، وحمل الكَل، وأكرم الضيف، وأعان على نوائب الدهر!

إنها تتحدث إلى زوجها كطبيبة نفوس، وكفيلسوفة فكر، وكعالمة في سنن الله ونواميسه في الخليقة..

إنها بكلماتها تلك تسبق ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: “صنائع المعروف تقي مصارع السوء، والآفات والهلكات…” [صحيح، الحاكم، عن أنس].

هذا القلب الكبير الذي يحمل كُل هذا الخير للناس لا يخزيه الله، لن يصل الحُزن إلى قلبه، ولن يصل الخوف من الناس إلى وجدانه، بل ستنعم حياته، وينعم قلبه، ويزهو ويفرح، وينجلي غبار الضنك عن رأسه.

  • كلا..

لن يحزن قلبك، ما دام يحمل الخير للناس..

  • أبشر..

سيندمل الجرح، ويزول الوجع، وستمضي في طريق الحياة بهذا القلب الخيّر، يفيض منه النور إلى البشر، وتسرج به قلوبًا غلفًا، وعيونًا عميا، وآذانًا صما.

  • فوالله لا يخزيك الله أبدا..

لست أنت بالوجه الذي يرده الله، ولست أنت بالعبد الذي يتخلى عنه ربه، فأنت عبد أكرمت عباده، أشبعت جوعتهم، وأذهبت ظمأتهم، وكسوت عورتهم، ومسحت على رأس اليتيم، فكنت الأب، وعفوت عمن أساء إليك فكنت الأم:

وإذا رحمت فأنت أمٌّ أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء

لا يخزيك.. ولم ولن يخزيك الله أبدًا.. فأنعم بحياتك!

  • إنك لتصل الرحم

فمن قطعك قمت بوصله، لا يسمعوا منك قومك إلا كل خير، ولم يروا منك إلا كل صلاح.. أنت لكبيرهم ابن، ولصغيرهم أب، ولصاحبهم أخ.

  • تصدق الحديث

لا تكذب أبدًا، لا تغش أبدًا، لا تزور شهادة، ولا تدلس مقالة، لم يُعهد عليك كذبة واحدة في حياتك، ولم تتلطخ لحظة واحدة في براثن الكذب.

  • تحمل الكَل

وهو العاجز، لا تُعينه وفقط، بل تحمله! ولا تحمله فقط، بل تحمله وحاجته! لا ينزل عنك إلا وقد قضيت مسألته، ورحمت ذلته، وأسعدت قلبه.

  • تقري الضيف

ما أكرم الناس إذا نزلوا بدارك! وما أعظمهم إذا حلوا بحضرتك! أوقدت القدور، وقضيت الحاجات، فإن بات الضيف بدارك بات آمنًا عزيزًا، وإن انصرف؛ فمُكرم مسرور.

  • تعين على نوائب الدهر

فمصائب الأيام كثيرة، وجراح الواقع كبيرة، فيأتيك طالب العون فتعينه على نائبته، ويأتيك المكروب فتعينه على كربته.. أنت الظَهر للبائسين، فأنت لجراحهم طبيب، وأنت ليتمهم أب.

 

وهذا هو منهج جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يقول الله عنهم: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات..).

 

إبراهيم الخليل، بلغ هذه المنزلة بصناعته للمعروف، فقد روى البيهقي في الشعب بسنده إلى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(يا جبريل لِم اتخذ الله إبراهيم خليلاً؟ قال لإطعامه الطعام يا محمد)[الدر المنثور 2/706]

وهذا موسى عليه السلام: {ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير}[القصص:23-24]

وقال الله على لسان عيسى:{وجعلني مباركاً أينما كنت}[مريم:31] روى أبو نعيم وغيره بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في تفسيره للآية: (جعلني نفاعاً للناس أين اتجهت){الدر المنثور5/509}

 

وأيضا هو منهج سلفنا الصالح بداية من الخلفاء الراشدين.

 

صنيع أبي بكر الصديق حين ولي الخلافة، فكان في كل يوم يأتي بيتاً في عوالي المدينة تسكنه عجوز عمياء، فينضج لها طعامها، ويكنس لها بيتها، وهي لا تعلم من هو، فكان يستبق وعمر بن الـخطاب إلى خدمتها. [أُسد الغابة 3/327]

ولما ولي عمر الخلافة خرج يتحسس أخبار المسلمين، فوجد أرملة وأيتاماً عندها يبكون، يتضاغون من الجوع، فلم يلبث أن غدا إلى بيت مال المسلمين، فحمل وقر طعام على ظهره وانطلق فأنضج لهم طعامهم، فما زال بهم حتى أكلوا وضحكوا . [الرياض النضرة1/385]

 

وعثمان وما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم وعلي وعمر بن عبدالعزيز وغيرهم.

 

إن من يحرص ويسعى بجد واجتهاد ليوفر لك لقمة عيشك ويعينك على نوائب الدهر ويقف معك في حاجتك والله لتسعى في مساندته وعونه وتقدم له ما يريد وتتقبل منه ما يقول، فنتيجة أن الله ناصره على من ظلمه وأراد به مكرا هي نتيجة واضحة.

 

نحتاج أن نتفنن في ممارسة العبادات الاجتماعية فيما بقي لنا من عمر.

 

رضي الله عنك ياخديجة “كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.

 

من فوائد صنائع المعروف:

 

1 – تقي من السوء: وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه أبو أمامة: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب) [رواه الطبراني في معجمه الكبير ح8014، وقال الهيثمي: إسناده حسن 3/115]

2- دخول الجنة : عن أبي أمامة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، وإن أول أهل الجنة دخولاً أهل المعروف) [رواه الطبراني في الكبير ح8015]

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس) [مسلم ح1914]

3- مغفرة الذنوب والنجاة من عذاب وأهوال الآخرة: عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا: أعملت من الخير شيئاً؟ قال: لا. قالوا: تذكر ،قال: كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوزوا عن الموسر، قال: قال الله: عز وجل تجوزوا عنه). وفي رواية عند مسلم: (فقال الله أنا أحق بذا منك تجاوزوا عن عبدي) [مسلم ح1560، البخاري ح2077]

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بينا رجل بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجراً؟ فقال: في كل ذات كبد رطبة أجر) [البخاري ح2466، مسلم2244].

 

 

.. هل نستطيع أن نربي أنفسنا على العبادات الاجتماعية؟

 

.. بدل أن ننفق الزكاة بطريقة توزيع المال للفقراء أن نفكر من خلال مال الزكاة أن نصنع مشروع لبعض الأسر ليستغنوا عن زكاتك يوما ما، ما هي برامجنا التدريبية مع أولادنا ليحبوا الضيف ويحملوا الكل ويصدقوا الحديث، هل صلتنا بالرحم في تزايد أم غير ذلك؟..

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نصرة المظلوم

الإحسان