عام جديد

ها هو العام الهجري يودعنا بأفراحه وأتراحه وحسناته وسيئاته فهنيئا لمن جعله في طاعة الله ومسكين من ضيعه في غفلة وحسرة..

يقول ابن القيم رحمه الله: (السّنة شَجَرَة والشهور فروعها وَالْأَيَّام أَغْصَانهَا والساعات أوراقها

والأنفاس ثَمَرهَا فَمن كَانَت أنفاسه فِي طَاعَة فثمرة شجرته طيبَة وَمن كَانَت فِي مَعْصِيّة فثمرته حنظل وَإِنَّمَا يكون الجداد يَوْم الْمعَاد فَعِنْدَ الجداد يتَبَيَّن حُلْو الثِّمَار من مرّها)

 

لنتعلم أحبتي من نبينا صل الله عليه وسلم المحاسبة الإيجابية وليست السلبية والتي كان يفعلها مع الصحابة رضوان الله عليهم طيلة أيام العام.. فلم يكن صلوات الله وسلامه عليه يسأل من اقترف منكم إثما اليوم أو من فعل منكم مشكلة اليوم كلا .. بل كان يقول كما جاء في الحديث الذي صححه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه :أَنَا. قَالَ:«فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه :أَنَا. قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه :أَنَا. قَالَ:«فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا»؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه :أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ».

 

وعند الطبراني في الكبير : فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى اسْتَعْلَى بِهِ الضَّحِكُ، ثُمَّ قَالَ:«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا جَمَعَهُنَّ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ إِلا مُؤْمِنٌ، وَإِلا دَخَلَ بِهِنَّ الْجَنَّةَ» .

 

كيف كان يعالج السلبيات صلوات الله وسلامه عليه عند الصحابة رضوان الله عليه «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّى مِنَ اللَّيْلِ». قَالَ سَالِمٌ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً..

 

تخيل .. لو جاءك رجل وقال لك أريد أن أزني كيف تتعامل معه.. استمع لنبينا صلوات الله وسلامه عليه:

 

عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : “إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ائذن لي بالزنا ، فأقبل القوم عليه فزجروه و قالوا : مه مه ! فقال : ادنه ، فدنا منه قريبا قال : فجلس ، قال : أتحبه لأمك ؟ قال : لا جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لأمهاتهم ، قال : أفتحبه لابنتك ؟ قال : لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لبناتهم ، قال : أفتحبه لأختك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لأخواتهم قال : أفتحبه لعمتك . قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لعماتهم ، قال : أفتحبه لخالتك ؟ قال : لا والله جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونه لخالاتهم ، قال : فوضع يده عليه وقال : اللهم اغفر ذنبه و طهر قلبه و حصن فرجه . فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء” . أخرجه أحمد

 

تخيل.. لو أن مجنونا دخل المسجد وبال في زاويته .. نعم.. مجنون! وليس برجل عاقل .. فماذا عسانا نتصرف معه؟

 

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مه مه . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزرموه ، دعوه) . فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له : (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر ، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن) . فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه.. وفي رواية أخرى قال الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحداً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لقد تحجرت واسعاً) . وقال : (إنما بعثتم ميسرين ، ولم تبعثوا معسرين . صبوا عليه سجلا من ماء – أو قال – : ذنوبا من ماء) .

 

نستطيع أن نستقبل العام الهجري الجديد بإيجابية وسعادة وسرور.. نحتاج أن نركز على إيجابياتنا وننميها ونغذيها ونقويها وننشغل بها ولا نلتفت للسلبيات إلا للتي فيها ما يغضب الله فنتوب إلى الله من عدم العودة إليها ونتعامل مع أنفسنا وأهلينا بالأسلوب النبوي العظيم مبتعدين عن جلد الذات المحبط .. وآخر الدواء الكي..

 

لنستفتح هذا العام بالتفاؤل والإيجابية مقتدين بنبينا صل الله عليه وسلم ولنبدأ: بأنفسنا ولنسامحها على ما اقترفت، ولنلزمها بعدم العودة لتسعد، ولنحضر لها من الشواهد والمعرفة بأن المحرمات ليست كبحا للحريات إنما هي ضمان لسلامتنا، إنما المحرمات كحقل ألغام لوحة مكتوب فيها(ممنوع الاقتراب خطر) عندها نفهم جيدا أنها لوحة رحيمة بنا جاءتنا من أرحم الراحمين ليحفظنا ويحفظ أهلينا ومجتمعاتنا

 

لنستفتح هذا العام بحسن الظن بالله.. يقول عبد الله بن مسعود  رضي الله عنه : “والذي لا إله غيرُه ما أُعطي عبدٌ مؤمن شيئاً خيراً من حسن الظن بالله عز وجل، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله عز وجل الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنَّه؛ ذلك بأنَّ الخيرَ في يده» [رواه ابن أبي الدنيا في حسن الظن].

 

وعن جابر  رضي الله عنه  قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: «لا يموتَنَّ أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل» رواه مسلم.

 

وعن أبي هريرة  رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم -فيما يحكي عن ربِّه عز وجل- قال: «أذنب عبد ذنبا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً فعلم أنَّ له ربَّاً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. اعمل ما شئت فقد غفرت لك» [رواه مسلم].

 

أي: ما دمتَ أنَّك تذنب وتتوب فإني أتوب عليك ولو تكرر الذنب منك.

 

وإني لآتي الذنب أعرف قدره   *  *  *   وأعلم أن الله يعفو ويغــفرُ

 

لئن عظَّم الناس الذنوب فإنها   *  *  *   وإن عظمت في رحمة الله تصغُرُ

 

قال أحمد بن أبي الحواري: وقفت بجانب أبي سليمان الداراني وهو لا يراني، فسمعته يناجي ربَّه ويقول: “لئن طالبتني بذنوبي لأطالبنك بعفوك، ولئن طالبتني بتوبتي لأطالبنك بسخائك، ولئن أدخلتني النار لأخبرنَّ أهلها أني أحبك” [رواه البيهقي في شعب الإيمان].

 

لنستفتح هذا العام بالتسامح مع أنفسنا ومع الناس..

 

لنستفتح هذا العام بالإقبال على الله بقلوب نظيفة من الحقد والحسد والضغينة بالإقبال على الله بالتوبة الصادقة بالإقبال على الله بصلاة ليست كالأعوام الماضية نؤديها لننجزها بل نؤديها بحب وسكينة وخشوع وراحة بالإقبال على الله بالسؤال عن حال المسلمين وبذل ما نستطيع من إنقاذهم فخير الناس أنفعهم للناس..

 

بالإقبال على الله بألسنة ذاكرة لله تحجم عن الغيبة والنميمة والخوض فيما لا فائدة فيه..

 

بالإقبال على الله بحسن التعامل مع الناس..

 

بالإقبال على الله بأكل المال الحلال وبصلة الأرحام..

 

لنري الله من أنفسنا خيرا في افتتاح هذا العام الهجري الجديد..

 

جاء في الحديث القدسي: (ما من يوم إلاَّ وينادي: إني يوم جديد، وإنِّي على ما تفعل منِّي شهيد، فاغتنمني، فلو غابت شمسي، لَم تدركني إلى يومِ القيامة).

 

محبكم / خالد حسن عبد الكافي 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نصرة المظلوم

الإحسان