وحدة الصف

وحدة الكلمة ، وحدة الصف ، الاعتصام ، الأخوة ، جمع الكلمة ، الوحدة ، الاتحاد ، التآلف ، المجتمع الواحد ، الوطن الواحد….الخواعتصموا

 

كلمات الكل يحبُها وينادي فيها ، ولكن من الذي يطبقُها؟ من الذي يتنازلُ من أجل أخيه المسلم؟  كيف ننادي أن نكون في وطنٍ وأمةٍ متحدين وبعضنا إذا اختلفت معه في مسألة فقهيةٍ كرهك وصنفك وحاربك واتهمك

 

إن الحاجة ماسةٌ إلى الوصية والتأكيد على معاني الاجتماع والائتلاف. والقرآن تحدث في آيات كثيرة عن ذلك.

 

الآيةُ التي تردد كل جمعة:

 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ *وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه: «إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا. ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال».

 

كيف تعامل الأنبياء مع الخلاف؟

 

كان الأنبياء ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ دعاة لوحدة الصف وجمع الكلمة، قال الإمام البغوي: «بعث الله الأنبياء كلهم بإقامة الدين والألفة والجماعة وترك الفرقة والمخالفة».

 

وقد اختلف الأنبياء من قبل في الرأي، فاختلف موسى وهارن: {قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي * قَالَ يَا بْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [طه: 92 – 94].

 

ولو وقع مثل هذا الأمر في عصرنا فقد تجد من يتهم مثل هارون بأنه سكت عن إنكار الشرك الأكبر، وأن المسألة خلل في الاعتقاد وانحراف في المنهج….إلخ. وبغض النظر عن الأصوب من الاجتهادين فالخلاف حصل، وعذر كل منهما الآخر.

 

اختلف الخضر وموسى، واختلف سليمان وداود: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْـحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِـحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْـجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 78 – 79]، واختلفا ـ عليهما السلام ـ في شأن المرأتين اللتين اختصمتا في الابن، واختلف آدم وموسى.

 

ولم يكن هذا الخلاف موجباً للفرقة والاختلاف.

 

واختلفت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب في شأن قاتل المائة حين مات بين القريتين.

 

لقد اختلف صحابة رسول الله صل الله عليه وسلم في مسائل كثيرة فلم يلمز أحدهم الآخر، لم يكره أحدهم الآخر ولم يصنف أحدهم الآخر أنت تنتمي لمدرسة ابن عباس والآخر يقول أنت تنتمي لمدرسة ابن مسعود.. ولم يقلل أحدهم شأن الآخر ليكونوا كل حزب بما لديهم فرحون

 

وعلى سبيل المثال:

 

مسألة رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء والمعراج وهذه مسألة في الاعتقاد، ففي الوقت الذي يؤيد فيه ابن عباس الرؤية تنفي فيه عائشة وعبد الله بن مسعود وأبو ذر رضي الله عنهم أجمعين الرؤية كذلك. فهذه المسألة لا يضلل فيها المخالف ولا يبدع؛ لأن الخلاف قد وسع الصحابة رضي الله عنهم في هذه القضية، مع أننا لو دققنا النظر لما وجدنا أي خلاف بين مذهب ابن عباس ومذهب عائشة وابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين

 

نقل الحافظ في الفتح عن القرطبي قوله: «مَنْ تَأَمَّلَ مَا دَار بَيْنَ أَبِي بَكْر وَعَلِيٍّ مِنْ الْمُعَاتَبَةِ وَمِنْ الاعْتِذَارِ وَمَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ مِنْ الإنْصَافِ عَرَفَ أَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَعْتَرِفُ بِفَضْلِ الآخَرِ، وَأَنَّ قُلُوبَهُمْ كَانَتْ مُتَّفِقَة عَلَى الاحْتِرَام وَالْمَحَبَّة، وَإِنْ كَانَ الطَّبْع الْبَشَرِيّ قَدْ يَغْلِب أَحْيَانًا لَكِنَّ الدِّيَانَة تَرُدُّ ذَلِكَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ».

 

إنها النفوس التي صفت وتسامت على حظوظها، فلم يجد الهوى بينهم مكاناً، وحين يحصل بينهم ما يحصل بين البشر لا يمنعهم ذلك من العدل، ولا يقودهم إلى تتبع الزلات وملاحقة العثرات.

 

من سمات أهل السنة الاجتماع والائتلاف، وهم من أشد الناس حرصاً عليه ودعوة له، كيف لا وهم الجماعة وهم السواد الأعظم.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «وهذا التفريق الذي حصل من الأمة علمائها ومشايخها، وأمرائها وكبرائها هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها. وذلك بتركهم العمل بطاعة الله ورسوله كما قال ـ تعالى ـ: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: 14]. فمتى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء، وإذا تفرق القوم فسدوا وهلكوا، وإذا اجتمعوا صلحوا وملكوا؛ فإن الجماعة رحمة، والفرقة عذاب».

 

ويقول ابن القيم ـ رحمه الله داعيا لاحترام أهل العلم والفضل من العلماء ـ: «ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدمٌ صالح وآثار حسنة، وهو من الإسلام وأهله بمكان، قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور، بل مأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته في قلوب المسلمين».

 

لماذا لم يخبر النبي ” صلى الله عليه وسلم” عن المنافقين صحابته الكرام، وترك ذلك سرا؟

 

مع أن أعمالهم مشينة، أنهم كانوا يشككون في انتصار الإسلام، ويحاولون دائما تثبيط همم الصحابة رضوان الله عليهم، بادعائهم أن ما يقومون به مغامرات ستكون عواقبها وخيمة عليهم.

 

ففي غزوة الخندق لما ضيق العدو على المسلمين، وعظم البلاء عليهم، وجد بعض المنافقين ذلك فرصة لخلق البلبلة في صفوف جيش النبي  ” صلى الله عليه وسلم”، فقال: «كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط».

 

وقال آخر: «يا رسول الله إن بيوتنا عورة من العدو، فأذن لنا أن نخرج فنرجع إلى دارنا، فإنها خارج من المدينة».

 

فلما كثر الكلام، وتكلم المنافقون بكلام قبيح، تدخل النبي ” صلى الله عليه وسلم” ليعالج إرجافهم، فقال: «والذي نفسي بيده ليفرجن عنكم ما ترون من الشدة والبلاء، فإني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق آمنا، وأن يدفع الله عز وجل مفاتح الكعبة، وليهلكن الله كسرى وقيصر، ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله».

 

إن هذا التعامل الراقي من الرسول صلى الله عليه وسلم يعود لحكم منها:

 

ـ أن الإسلام يعلمنا كيف نحكم على ظواهر الناس، ونترك سرائرهم للخالق عزوجل.

 

ـ أن في سترهم تحفيزا على الاجتهاد في العمل، وترك أعمالهم الدنيئة، لأن كل واحد من الصحابة يخشى على نفسه أن يكون منهم

 

ـ أن من كان خطر إظهار أمره أشد من خطر إخفائه، فالأولى ستره.

 

ولو فضح النبي ” صلى الله عليه وسلم”  أمرهم، لأدى ذلك إلى فتنة عظمى، لأن هؤلاء المنافقين كانوا ينتمون إلى قبائل مختلفة، فلو كشف النبي ” صلى الله عليه وسلم”  أمرهم لعيرت كل قبيلة غيرها بمنافقيها، وربما أدى ذلك إلى نبذهم داخل المجتمع، وذلك قد يكون سببا في عدم توبتهم.

 

قال الإمام الشافعي رحمه الله مبينا منهج النبي ” صلى الله عليه وسلم”  في حكمه على ظواهر المنافقين: «وفي سنة رسول الله  ” صلى الله عليه وسلم”  في المنافقين دلالة على أمور، منها: لا يقتل من أظهر التوبة من كفر بعد إيمان، ومنها أنه حقن دماءهم وقد رجعوا إلى غير يهودية، ولا نصرانية، ولا مجوسية، ولا دين يظهرونه، إنما أظهروا الإسلام، وأسروا الكفر، فأقرهم رسول الله  ” صلى الله عليه وسلم”  في الظاهر على أحكام المسلمين، فناكحوا المسلمين، ووارثوهم، وأسهم لمن شهد الحرب منهم، وتركوا في مساجد المسلمين».

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نصرة المظلوم

الإحسان